في هذا العصر الذي تزايدت فيه التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال المتطورة، التي قصرت المسافات واختصرت الزمن، تزايدت تبعا لها سلوكيات شاذة وغير قويمة، بل كثرت المشاكل الناتجة عن سوء الفهم، فضلا عن الإساءات والتعدي على الآخرين، بل استخدمت هذه الوسائل وهذه التقنيات لنشر الإشاعات والتقليل من المنجزات، والحط من قدر شعوب وإرث أمم. مواقع التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر، وغيرها، باتت مكانا وبيئة ملائمة لانتشار الإساءات، ونشر الفتن وسموم الكراهية بين الناس. ونحن نعيش يوميا ونسمع ونقرأ هذا الكم الهائل من السموم اللفظية والأكاذيب والافتراءات على شخصيات عامة وخاصة. وعندما تشاهد مثل هذه الممارسات وكثرتها بل وتزايدها، نصاب بالذهول لكل هذه الجرأة، والتعدي على الناس وكيل الإساءات دون خوف أو تردد. ما زلنا نتذكر عندما بدأت شبكة الانترنت في الانتشار، فتنادى حكماء العالم ومثقفوه لوضع ضوابط على استخدامها، وسن قوانين وأنظمة تجرم إساءة الاستخدام، في ذلك الوقت ظهرت أصوات تقول إن هذه محاولة لمصادرة حرية الرأي، وعندما بدأت دول كثيرة في العالم بوضع بوابات تمنع بواسطتها بعض المواقع سواء المخلة، أو تلك التي فيها هجوم وتسفيه وتقليل أو شتم للمجتمعات والأديان، ومحاولة عزلها عن الجمهور الذي هي تحاول استهدافه واستفزازه، ظهرت مرة أخرى أصوات النشاز التي تحتج بأن هذا تعدٍ على حقوق المعرفة وحرية تدفق المعلومات. وغني عن القول إنه بات اليوم واضحا سلامة مثل هذه الإجراءات، فبلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية يتكبد مواطنوها سنويا ملايين الدولارات من أجل شراء برامج الحجب والحماية سواء الأسرية أو في مقار العمل. ليس خافيا على أحد الآثار السلبية العديدة والمتنوعة لكثير من المواقع على شبكة الانترنت علينا كأفراد بالغين، وأيضا أثر أعظم على الأجيال الجديدة، فلكم أن تتخيلوا أطفالا في عمر الزهور معلقين دون رقابة أو اهتمام من أسرهم معلقين بشاشة الكمبيوتر في ممارسة يومية لألعاب يتخللها مشاهد مخلة وأصوات سيئة، تستمر لساعات طويلة، فما الذي تتوقعون أن يكبر عليه هذا الطفل سلوكيا؟ وكيف سيكون في المستقبل؟ سيكون متواضعا معرفيا يعاني خللا أخلاقيا وسوءا في الأدب، سينعكس ويظهر في الإساءة لأقاربه ومجتمعه. بات من الأهمية اليوم أن تصنف ممارسة الأكاذيب والإساءات والافتراءات ونشر الإشاعات، كجرائم يعاقب عليها القانون، فسحر الفضاء المعلوماتي واتساعه أوهم بعضا من ضعفاء النفوس أن بمقدورهم بث أحقادهم وأحسادهم وتصفية حساباتهم ضد أصدقاء أو أقارب أو بحق وطنهم ومجتمعهم ودينهم. الجرائم التي ترتكب على شبكة الانترنت مع تزايدها وظهور أنواع جديدة، تحتم علينا العمل على أن يتم وضع عقوبات من جنس الجرم، مثل التشهير ودفع غرامات، والحرمان من استخدام شبكة الانترنت حسب حجم الجريمة وضررها بحق الآخرين. وفي ظني أن رجال القانون، يملكون الكثير من الأفكار في هذا الإطار. إن غياب القيم الأخلاقية، والقيم النبيلة كالتسامح والحب والاحترام، باتت واضحة اليوم أكثر من أي زمن مضى، لقد بتنا في شوق إلى الأرواح المتسامحة التي تملك حس المبادرة بالعفو والتواصل الفعال مع الآخرين وتحويل الأعداء إلى أصدقاء. وسيلتهم الكلمة الطيبة والابتسامة والعفو والنظر دوما إلى الأمام. هذا الغياب يحتم علينا العمل على نشر هذه الفضائل وقيمها، وتعليم أبنائنا من خلال مناهج متطورة تواكب مثل هذه التغيرات، ومن خلال الأسرة، وأطياف المجتمع كافة كحملات توعية وتثقيف في الأسواق الكبرى ومراكز الترفيه وغيرها من مواقع التجمعات البشرية، والتي تكون فرصة لبث نشرات ورسائل تنمية معرفتهم بحقوق الآخرين، وعدم الإساءة وغرس الفضائل والأخلاق الحسنة الجميلة في النفوس. إنها دعوة لسن المزيد من القوانين لمنع الاعتداء بالألفاظ والتهم والتي نشاهدها يوميا على شبكات التواصل الاجتماعية، وأيضا هي دعوة لتصميم برامج توعوية وتثقيفية، وتنمية حس المسؤولية لدى أفراد مجتمعنا ومحاولة الوصول لهم في مواقعهم ومكان سكنهم.
مشاركة :