الشكوى المتكررة التي تقريبًا لا تحتاج سوى لتنهيدة مواساة ورفع عتب، كي تبدي تفاعلًا مع صديقك أو أخيك أو ابنتك حين يشكون من سرعة النسيان، ومع محاولة تشخيص متواضعة لهذا الفيروس العالمي بدأت أبحث عن مسميات أكثر دقة للاضطراب الذي تجاوز فقط نسيان مكان النظارة وهي فوق رأسك أو سماعة الجوال وهي معلقة حول عنقك. بل أصبح النسيان العرضي أو التيه الذهني أقرب إلى السباحة في الصابون الكثيف، ذاكرة موجودة وتحتل مساحة من عقلك لكنها مشوشة وغير منظمة، أصبح الأمر يؤثر على خطط حياتك اليومية والأسبوعية، حتى أن البعض يحاول ترتيب أفكاره عن طريق استخدام المذكرات الورقية أو الإلكترونية، ويفاجأ بأنه غير قادر على الربط مع النقاط التي حددوها بأنفسهم. يقول «جوشوا فوير»: عندما نشعر أن كلمة على طرف ألسنتنا دون النجاح في تذكرها، فإن السبب أننا نصل إلى جزء واحد فقط من الشبكة العصبية الذي يضم الفكرة وليس بشكل كامل.. الحل في التمارين الذهنية والتي لا تقتصر على ملاحقة لعبة في الجوال، بل إقحام عقلك في تحديات حقيقية للتذكر، إضافة إلى تصفية دهاليز العقل من العوالق غير المهمة، والاشتغال على تحديد ما هو مهم وينبغي الاحتفاظ به وما لا ينبغي استرجاعه لعدم أهميته، في كتاب معاصر فريد من نوعه «رقصة القمر مع آينشتاين.. فن وعلم تذكر كل شيء» ترجمة المبدع محمد الضبع، تعرفتُ على بطولة الولايات الأمريكية المتحدة للذاكرة، الرحلة التعليمية التدريبية الفائقة الوعي بالمفردات والتفاصيل والمهارات، والتي يأخذنا في أروقتها الكاتب الصحفي جوشوا فوير أثناء سعيه نحو الحصول على اللقب، وكيف تعرف بدوره على شخصيات تمعن التأمل في الأرقام والكلمات يطلقون على أنفسهم مسمى «رياضيو العقل». وفي حين يدور الجدل حول ما إذا كنا جميعنا نملك مستوى متقاربًا متوسطًا من الذاكرة، يثبت العلم أن للذاكرة المتوسطة قوة خارقة إن تم استخدامها بالشكل المناسب، وأيضًا إن تم ترتيبها كالفهرس وفق نمط مناسب، أما الأسماء وربطها بالوجوه فأنت لا تعرف لماذا تصر على مناداة شخص باسم عُمر – مثلًا – وهو يدعى في الواقع صالح؟ ومع تكرر الموقف المحرج، تقرر الخروج منه مازحًا «يا أخي شكلك عُمر» !. يقول «فوير»: إنه جلس مع أحد الأبطال ليأخذه إلى العالم السفلي لأسرار الذاكرة، فسأله متحديًا ما اسمي؟ قال له: جوش، فقال: واسم عائلتي؟ فرد: هل أخبرتني به عندما التقينا؟ قال نعم، فوير، ظننتك تملك أسلوبًا معقدًا في حفظ الأسماء لكنك بشر مثلنا، فقال له أن يشتغل على تعلم الخدعة، وهي بسيطة جدًا، تتعلق بخلق صورة دقيقة في مخيلتك بإمكانها أن تربط بذاكرة مرئية لوجه الشخص مع ذاكرة مرئية لاسمه، وإذا احتجت لاسمه سوف تخطر ببالك الصورة التي تخيلتها مرافقة. ما رأيكم في مسابقات من هذا النوع؟ بل وتحديات تخلق أجواء من الإثارة وتضيف لمعرفة الإنسان حوله نفسه وقدراته الكامنة، خاصة إذا ما ادّعى العلم أن الذاكرة عضلة قابلة للتقوية والتحسن.
مشاركة :