عندما تتجاوز نصف قرن من عمرك، ستبدأ في ممارسة العد لأصدقائك الفعليين ولن تحتاج إلى آلة حاسبة كالتي تستخدمها لحساب قيمة مشترياتك أو مدخراتك، فنائبات الدهر لم تترك لك منهم سوى بضعة أصدقاء، ترجو الله أن تخرج بهم من هذه الدنيا الفانية. وقبل أن تتخيل نفسك بينهم على سرر متقابلين تفحص نفسك بينهم جيدًا وتأكد من أن أحدهم ليس صديقًا لك، فلعله ذلك الذي يتصل بك شاكيًا باكيًا يذكرك بالود القديم ويستحلفك بأخوته الطاهرة مرة أو مرتين في العام لتسدد له فاتورة أو توظف له ابنًا عاطلًا عن العمل، وفي حفل زواج ذلك الابن تكتشف أنه لم يقدم لك بطاقة دعوة، واكتفى بقوله: إنك من أصحاب الدعوة وأنك تدعو ولا تدعى. أو لعله ذلك الذي وهبت لك الجزء الخفي من روحك دون أن تعي، فإذا به يتجسس على مخاوفك، فمرة يوهمك بالمرض الشديد ويقترح عليك زيارة الطبيب ومرات يزرع في روحك الخذلان كلما واتتك الشجاعة للخوض في أمر جلل محبطًا إياك، يقلل من عزيمتك وكأنه وسواسك الخناس الذي يعرف ما يجول في خاطرك من قلق ويعبث ببحيرة الحيرة فيك بنصائح تكتشف مع الأيام أنها لم تكن الحبوب المهدئة لأوجاعك، بل حبة ضغط لم تكن أنت يومًا في حاجة لها. أو لعله صحيفة الأخبار الناقلة لكل شاردة وواردة عما يحدث حولك، ماذا قالوا وعادوا فيك، لتكتشف أنه صحيفة ذات وجهين تنقل عنك وإليك. أم لعله ذلك القابض على «شعرة معاوية» فيما بينك وبينه، فإذا شددت عليها أرخى الحبل بينكما، وإذا أرخيته شده نحوه برفق دون كلل أو ملل. ولعلك الآن تفكر في ألا تقطع «شعرة معاوية» بينك وبين هذا الأخير، فإن وجدته صل ركعتين، واحمد الله عليه، واسكب ماء حارقًا على كل ذكرياتك مع الباقين، واترك عنك العد، فالصديق الصدوق بعد الخمسين هو «بيضة الديك». رأي: وفاء الطيب w.altayeb@saudiopinion.org
مشاركة :