كانت المرأةُ البحرينيةُ في عقودٍ خلت، نظيرَ ظروفِ الحياة في تلك الأوقات، تقومُ بأدوارها التقليديةِ في تربيةِ الأولاد، ورعاية شؤون المنزل من طبخ وغيره، كما أن الثقافاتِ السائدة، والأعرافِ الدينية، كانت تحكمُ في تلك الظروف، ما ساعد كثيرًا في انعزالِها في بيتها والبقاء في المنزل. وشكَّلت فترات الغوص لاستخراج اللؤلؤ، والذي كانت سائدة في الفترات الأولى للقرن العشرين مرحلةً قاسية ومصيرية للمرآة البحرينية في تلك العهود، بتحمل آلام الفرقةِ وغياب الزوج فترات قد تمتدُ إلى ثلاثة وأربعة أشهر، وهي صابرة ومحتسبة، إذ تتضاعف عليها الأعباءُ والمسؤوليات الجسام. مع بزوغ فجر التعليم، انطلقت (مرحلة جديدة) في حياة المرأة، وخاصة مع افتتاح أول مدرسة نظامية لتعليم البنات في مملكة البحرين، وإقبال الفتاة البحرينية، على الالتحاق بمدارس تعليم البنات، آنذاك، والذي شكَّل بذلك، نقطة تحوُّل كبرى في حياة الفتاة البحرينية، من ناحية نمط الحياة، وطريقة التفكير، بالرغم من العقبات التي سادت في تلك الأزمة، من تحكم (الأعراف) و(التقاليد) ورفض مظاهر (العصرنة)، وخاصة في المجتمعات الريفية، ومنها مجتمع الريف المحلي البحريني. تُرى هل تطور الوضعُ كثيرًا مع شيوعِ المدارس والأندية والجمعيات؟ وهل للجمعيات النسوية دورٌ في نهضةِ وتقدم المرأة؟ وما مظاهر تلك النهضة وذلك التقدم؟ وكيف أثَّر التعليمُ في تمكين وتقدم المرأة؟ لعل أسئلة كثيرة ربما تطرح في هذا الإطار، ويتعين الإجابة عليها، وهذا ما سنعرفه في الإشارات الآتية: الإشارة الأولى شكَّلت بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وما أعقب ذلك، (فترة ذهبية)، ومنعطفا كبيراً، في وضع المرأة البحرينية، إذ شاع إنشاء مدارس تعليم البنات، وأُنشئت النوادي الثقافية والرياضية، وتأسست بعض الجمعيات، النسائية، والذي أسهم ذلك كله، في إثراء وبلورة عهد جديد للمرأة في مملكة البحرين وخاصة مع بداية سبعينيات القرن الماضي ً، إذ عملت المرأة بجانب الرجل، في عدة ميادين وحقول كثيرة، مثل التدريس في مدارس البنات، العمل في البنوك، وفي المصانع، والصحافة، وفي سلك الشرطة النسائية، والوزارات إلى غير ذلك. الإشارة الثانية يُعد العهد الزاهر، لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، (حفظه الله ورعاه)، نقلةً نوعيةً، لتمتع المرأة بجميع حقوقها، وحصولها على كثير من المكتسبات الوطنية الكثيرة، ولعل حق المشاركة السياسية، وحق (الترشح) و(الانتخابات)، في (المجالس البلدية) و(المجلس التشريعي)، الأبرز في هذا العهد المبارك. وتنص اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الحقوق السياسية للمرأة، والتي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العمومية، للأمم المتحدة في 20 ديسمبر 1952، أنه للنساء حق التصويت في جميع الانتخابات، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال، من دون تمييز. فيما بينت (المادة 3) من الاتفاقية، أن للنساء أهلية تقلّد المناصب العامة، وممارسة جميع الوظائف العامة، المنشأة بمقتضى التشريعات الوطنية، بشروط تساوي بينهن، وبين الرجال، من دون أي تمييز. فيما نص المرسوم رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية، في مادته الأولى، وأنه يتمتع المواطنون – رجالاً ونساءً – بمباشرة الحقوق السياسية منها، إبداء الرأي في كل استفتاء، يُجرى طبقاً لأحكام الدستور، وانتخاب أعضاء مجلس النواب. الإشارة الثالثة حازت المرأة البحرينية على مناصب عليا متقدمة، فكانت المرأة البحرينية الوزيرة، ووكيل الوزارة والقاضية والسفيرة إذ تبوأت مراكز وظيفية عليا في القطاع العام، وكذا شغلت الكثير من الوظائف العليا الرفيعة في القطاع الخاص. وفي المجال الدبلوماسي، شهدت السنوات القليلة الماضية، زيادة كبيرة في أعداد النساء الدبلوماسيات البحرينيات، إذ بلغت نحو 32% من إجمالي العاملين في السلك الدبلوماسي بحسب إحصاء عام 2019م. من جانب آخر، بينت إحصائيات، أن نسب شغل النساء (للمناسب القيادية) بالقطاع العام، يصل إلى حوالي 16%، وتصل إلى نحو 6%، في القطاع الخاص. وظهرت مشاركة المرأة البحرينية في الشأن السياسي، ومباشرة الحقوق السياسية، ارتفعت نسب مشاركتها في الانتخابات النيابية من 47,7% عام 2002، إلى نحو 51% خلال انتخابات 2010م. وشاركت المرأة في الترشح والانتخاب، للمجالس النيابية والبلدية، بنسب متفاوتة، ولكن ارتفعت نسب المرشحات لمجلس النواب بمقدار حوالي 7% خلال الأعوام من 2002 إلى 2011م (اقرأ تعزيز التمثيل السياسي للمرأة – مركز التدريب البرلماني، ص10). وفي حقل التعليم العالي، تبوأت المرأة مراكز قيادية كبرى، في كثير من مؤسسات التعليم العالي حيث بلغت النسب في المناصب الكبرى 34,5% وفي مناصب عمداء الكليات نحو 43،6، ورؤساء الأقسام العلمية الأكاديمية نحو 43،8، هذا إلى جانب أنها حققت كثيرا من الإنجازات، على نحو تفوقها في المجالات الأكاديمية والأبحاث العلمية المتخصصة، وحصولها على عديد من الدرجات العلمية، وكذا حصولها على مرتبة الزمالة والعضوية، لكثير من الهيئات والمجالس والمنظمات الدولية. وتنافست المرأة، إلى جانب الرجل، في الالتحاق بالجامعات ومؤسسات التعليم العالمي، وفي إحصائيات (مجلس التعليم العالي والأبحاث)، إن النسب التقريبية لخريجات التعليم العالي 57%، بينما نسبة قيد الطالبات البحرينيات، بمختلف الجامعات ومؤسسات التعليم العالي المختلفة، بلغت نحو 59%. (راجع: صفحة مجلس التعليم العالي). وتبوأت المرأة البحرينية، مناصب حساسة كبرى، كرئيسة تنفيذية ورئيسة مجلس إدارة، وعضو في مجالس إدارات، وانخرطت في كثير من الميادين الجديدة، مثل مدربات السياقة. الإشارة الرابعة شكَّل إنشاء المجلس للمرأة في عام 2001م، فتحا، جديدا، لتبنى قضايا المرأة، والدفاع عن حقوقها المشروعة، اذ هو المظلة الرئيسية، والمرجع الرئيس، فيما يتعلق بشؤون المرأة. ويهدف إلى نهضة المرأة، وعزتها، والدفاع عن حقوقها، وتبني قضاياها المختلفة، وتحقيق أمان أسرع، للأسرة البحرينية، في ظل الترابط المجتمعي البحريني، وتحقيق دور فعال لمشاركة المرأة البحرينية، في الشأن العام، وتمكين المرأة، في ظل تنافسية عادلة، وبث وعي مجتمعي بمكانة المرأة، وقدراتها وإبداعاتها المختلفة. وترأس صاحبة السمو الملكي الأميرة، سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، المجلس الأعلى للمرأة والذي يضم عددا من العضوات المهتمات بالشأن العام للمرأة، وذوات الخبرة، والمكانة في حقل المرأة، وبعضا من منتسبي المنظمات النسائية المختلفة. وكان للمجلس الأعلى للمرأة إسهامات كبيرة، على صعيد تحقيق المساواة بينها وبين الرجل، وكسر حاجز التمييز ضدها، بفعل عدة قرارات وقوانين ونظم نافذة، إلى جانب جعل الخطة الوطنية الطموحة للنهوض بالمرأة، ضمن برامج الحكومة، وهي مبادرات من شأنها، المساهمة بشكل ايجابي، لإثراء مشاركة المرأة البحرينية، بدورها الفعال في التنمية الاقتصادية، والنهوض بالاقتصاد الوطني. الإشارة الخامسة كان الاهتمام بأهمية تهيئة الفرص للمرأة جنبا إلى جنب مع الرجل منذ عام 1975، وقد طرحت منذ ذلك الوقت، العديد من التوجهات والمبادرات الهادفة إلى تعزيز دور المرأة، وتهيئة السبل الكفيلة، بمشاركتها مع الرجل في مراكز صنع القرار، والمناصب القيادية المختلفة. وتعمل لجان تكافؤ الفرص بالوزارات الحكومية، على خلق بيئة تنافسية، بين الرجل والمرأة، لتولي الوظائف، في إطار المساواة، وتكافؤ الفرص، ووضع ضوابط ومعايير عادلة، في عمليات التوظيف والتعيين والتدريب والابتعاث والترقي، وشغل المناصب المختلفة. وكذا، تحسين بيئة عمل المرأة في الجهاز الحكومي، والتعرف على المعوقات والصعوبات التي تواجهها المرأة في أماكن العمل الحكومي المختلفة. الإشارة السادسة من منطلق الحرص الذي يوليه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، لدور المرأة البحرينية، ومكانتها السامية في المجتمع، كان أمر جلالته رقم (5) لعام 2004م، بإنشاء جائزة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، لتمكين المرأة البحرينية، وتمنح لأفضل الوزارات والمؤسسات الحكومية، المتميزة في دعم وتمكين المرأة البحرينية. وصدر الأمر الملكي السامي الآخر، يحمل رقم (17) لعام 2019م، بتعديل بنود وأحكام الأمر الملكي رقم (5) لعام 2004م، من خلال استبدال مسمى الجائزة، إلى مسمى آخر وهو «جائزة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة لتقدم المرأة البحرينية». وعليه، فتم إضافة فئات جديدة، فئة مؤسسات المجتمع المدني، وفئة الأفراد، وفئة الوزارات والمؤسسات الرسمية والخاصة. (اقرأ: المرأة في البحرين، الحكومة الإلكترونية BAHRAIN.BH). وتمثل الجائزة، خير آلية، يسنها المجلس الأعلى للمرأة، في إطار تحفيز جهود المرأة، في البناء والتنمية وتبني خيارات لدمج المرأة، وتقدمها، وتحقيق التوازن بين الرجل والمرأة. والجائزة حقا، هي لفتة وطنية، ومبادرة كريمة، ونموذج يحتذى به، ومسلسل من النجاح، لتعزيز الجهود الرامية والمخلصة لتمكين المرأة، وهي فرصة «سانحة» لتقدير وتكريم الجهات الداعمة للمرأة. الإشارة السابعة يوم المرأة البحرينية، لفتة كريمة، ومبادرة وطنية، أطلقتها صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، للاحتفاء بالمرأة البحرينية، تقديرا، لجهودها وتضحياتها، وما قدمته المرأة من عطاء كبير. الإشارة الثامنة تتمتع المرأة في مملكة البحرين، بكثير من المزايا، فيحق للمرأة البحرينية العاملة، أو التي لها دخل ثابت، وتعول، ولا تملك أي عقار، الانتفاع بإحدى الخدمات الإسكانية، الموجبة، بقانون الإسكان، والقرارات الصادرة تنفيذا له. ولها دعم مالي مخصص سواء أكانت مطلقة، أم لا، بموجب آليات (الضمان الاجتماعي) في مثل هذه الظروف. ويمكن للأرامل والمطلقات واليتيمات وغيرهم، الاستفادة من مزايا المؤسسة الخيرية الملكية للأعمال الإنسانية، فهي تعول الكثير من النساء، ممن تنطبق عليهن الشروط والأحكام. هكذا نرى ملامح تقدم المرأة البحرينية، في هذا العهد الزاهر لجلالة الملك (حفظه الله ورعاه). S-HAIDER64@hotmail.com
مشاركة :