للمرأة مكانتها العظيمة عند العرب، وقد ارتفعت تلك المكانة مع بزوغ فجر الإسلام، فقد كانت الحضارات القديمة كاليونانية والرومانية والفارسية ترى أن المرأة لا ترتقي إلى مرتبة الإنسان، ومع مرور الوقت بدأت المرأة تشارك الرجل حياته اليومية دون أن تنال اعترافه بأي حقوق اجتماعية بل كانت تخضع بشكل كامل لإرادة وسلطة الرجل، فعند اليونانيين قديمًا كانت المرأة كالبضاعة التي يتم بيعها في الأسواق فهي لا تتعدى كونها سلعة لها ثمن، كما أنه لا يحق لها أن تعيش بعد وفاة زوجها. وعند الرومان كان الآباء يبيعون بناتهم وكان ذلك حقا للأب وينتقل إلى الزوج فور زواج المرأة. وفي الهند كان يتم حرق المرأة مع جثمان زوجها وهي على قيد الحياة حتى لا يبقى الزوج وحيدًا دون زوجته، وفي الجزيرة العربية كان بعض العرب يئد البنات لكيلا تقع في يد الأعداء ويلدن له أطفالا ومنهم من كان يقتل ابنته خشية الفقر، ولم يكن للمرأة أي حقوق حتى جاء الإسلام ليحارب تلك العادات الظالمة ويعطي المرأة حقها ومكانتها باعتبارها شريكة الرجل في بناء المجتمع قال صلى الله عليه وسلم «النساء شقائق الرجال». ففي الزمن الذي كانت هنالك شعوب بأكملها لا تعترف بحق المرأة في الحياة جاء الإسلام لينصفها فقال الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ) أي أن للنساء الحق في مشاركة الرجل في الشؤون الاجتماعية، بقدر ما عليهن من المسؤولية تجاه المجتمع. وفي الزمن الذي كان لا يحق للمرأة أن تعبِّر فيه عن رأيها، ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في حقِّ التصويت «المبايعة»، وقد قبل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بيعة النساء بحكم الكتاب قال تعالى: (فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ إنَّ اللَّه غَفُورٌ رَحيمٌ). وعلى مر العصور بدأت المرأة تأخذ مكانتها في المجتمعات الغربية وأصبحت تقف مع الرجل جنبًا إلى جنب في الواجبات والحقوق فشقت طريقها نحو كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل وأصبحت قائدة في تلك الميادين في الوقت الذي تراجعت فيه مكانة المرأة في عدد كبير من دول الشرق الأوسط بحكم التقاليد والعادات القديمة التي توارثتها الشعوب العربية. وفي عصرنا الحالي بدأت المرأة العربية في الحصول على بعض حقوقها المشروعة وتناضل من أجل كامل حقوقها وفي ذلك اختلفت الدول العربية بين متشدد تجاه قضايا المرأة وبين من منح المرأة جزءا كبيرًا من حقوقها وساوى بينها وبين الرجل في شتى المجالات. وتعد مملكة البحرين من الدول العربية الرائدة في تمكين المرأة، فالمرأة البحرينية تعد من أكثر النساء تمتعًا بالحقوق والحريات في الدول العربية عامة ودول الخليج بشكل خاص. فالمرأة البحرينية تسجل حضورها في كل المجالات السياسية والاجتماعية. فالمرأة البحرينية تتقلد الآن مناصب متعددة وفي كل الميادين فتراها وزيرة وسفيرة ونائبا في البرلمان ومجلس الشورى وشرطية وضابطة ونالت الحق في الانتخابات منذ أكثر من عشرين عامًا. وفي العام الذي تم إنشاء المجلس الأعلى للمرأة في المملكة برئاسة سمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة عاهل البلاد المفدى جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله، كان من أهدافه «تمكين المرأة البحرينية» و«الارتقاء بوضعها» وتعزيز «مبدأ تكافؤ الفرص» من خلال دعم حظوظها في تقلد مختلف الوظائف والمناصب في أجهزة الدولة. لقد أعطى دستور عام 2002 المرأة البحرينية كامل حقوقها والذي يعد من أهم إنجازات مشروع جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الإصلاحي عام 2000 إذ نص الدستور على أن «للمواطنين رجالا ونساء حقَ المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق الانتخاب والترشح». كما نص الدستور في مادة أخرى «تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية». كما تم تعيين ست نساء في مجلس الشورى أحد غرفتي المجلس الوطني البحرينـي بالدور التشريعي الأول لعام 2002/2003م، كما تم تعيين أول سـفيرة لمملكـة البحرين لدى فرنسا وأول وكيلة وزارة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وأول رئيسة لجامعة البحرين، وذلك عرفانا وتقديرا للدور الكبير الـذي تلعبـه المـرأة البحرينية في مسيرة التنمية بالمملكة. فالمتمعن في نصوص الدستور يدرك الدعم الكبير الذي حظيت به المرأة البحرينية من أجل تعزيز دورها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وبصفتها مكونا أساسيا من مكونات المجتمع البحريني للمساهمة في بناء الدولة العصرية، الأمر الذي حفّز العديد من نساء البحرين على المشاركة في العمل العام وفي مسيرة التطوّر والإصلاح التي تشهدها المملكة، الأمر الذي دفع بالمقابل كل مؤسسات الدولة الحكومية والخاصة أن تمنح المرأة مناصب متقدمة ما أسهم في تمكين المرأة البحرينية وساعدها في الحصول على مكانة قيادية في تلك المؤسسات مساواة بالرجل. وجاء توقيع مملكة البحرين على الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة عام 2002 كخطوة رائدة في هذا المجال إيمانًا من القيادة البحرينية بحق المرأة في نيل كل حقوقها ومساواتها بالرجل، واستمرت المملكة في دعم وتمكين المرأة في كل الأصعدة حتى وصلت البحرين إلى معدلات عالمية في مجال تمكين المرأة وفق العديد من التقارير الدولية المتخصصة في قياس مستويات تمكين المرأة في العالم. سمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم ودورها في تمكين المرأة إن لصاحبة السمو الملكي رئيسة المجلس الأعلى للمرأة إسهامات كبيرة وجهود عظيمة من خلال العديد من المبادرات التي تسعى إلى تمكين المرأة البحرينية بوصفها عنصرًا أساسيًا في مسيرة التنمية التي خطها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة. فقد كان للمجلس الأعلى للمرأة في المملكة برئاسة سمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة دور بارز في مسيرة تمكين المرأة البحرينية، وقد عرف عن سمو الأميرة سبيكة اهتمامها بقضايا المرأة البحرينية والرعاية والتشجيع الذي تقدمه للمرأة لتأخذ دورها الأساسي في المجتمع. ومن أبرز نشاطات المجلس تأهيل المترشحات لخوض الانتخابات البلدية والنيابية وتوعية الناخبات البحرينيات بممارسة حقوقهن المكفولة بالدستور وبالميثاق. وتعد جائزة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة لتمكين المرأة البحرينية من أهم المبادرات التي تشجع مؤسسات الدولة الحكومية والخاصة على دعم تمكين المرأة العاملة وإدماجها في خطة التنمية الوطنية، واعتلائها أعلى المناصب الإدارية والتنفيذية في تلك المؤسسات وإشراكها في صنع القرارات وعدم ممارسة أي تمييز ضد المرأة العاملة والالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص بينها وبين الرجل. ولسموها اهتمامات كبيرة في تطوير البرامج الوطنية الموجهة إلى الاستقرار الأسري للمرأة البحرينية وذلك لتحقيق أعلى درجات الأمن لأفراد الأسرة البحرينية، ما أسهم ذلك في تطوير العديد من الخدمات الموجهة إلى المرأة البحرينية. بالإضافة إلى ترؤس سمو الأميرة سبيكة فخريًا العديد من الجمعيات الأهلية التي تخدم المرأة والمجتمع البحريني بشكل عام. لقد حظيت المرأة البحرينية باهتمام القيادة السياسية والوزارات والهيئات الكبرى في الدولة، بدعم من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، ففي عهد جلالة الملك استطاعت المرأة أن تصل إلى السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية جنبًا إلى جنب مع الرجل لتستمر مسيرة الإصلاح بسواعد أبناء مملكة البحرين بكل أطيافهم. { أكاديمي متخصص في العلوم الشرعية وتنمية الموارد البشرية Dr.MohamedFaris@yahoo.com
مشاركة :