د. مصطفى راتب * استكمالا لما ذكرناه في الجزء الأول من هذا المقال؛ فقد نصَّت على هذه الأحكام المادة (880 معاملات مدنية)، والتي تقرر أنَّ دائني التركة الذين لم يستوفوا حقوقهم لعدم ظهورها في قائمة الجرد، ولم تكن لهم تأمينات على أموال التركة لا يجوز لهم أن يرجعوا على من كسب بحسن نية حقا عينيا على تلك الأموال، وإنما لهم الرجوع على الورثة بسبب إثرائهم. وعلى أية حال، فإذا وجب على المصفى الوفاء بديون التركة. فهو يوفي بها أولا مما يحصله من حقوقها، وما تشتمل عليه من نقود ومن ثمن، ما يبيعه بسعر السوق من أوراق مالية ومن ثمن ما فيها من منقولات، فإنْ لم يكن كلُّ ذلك كافيا فيبدأ بعد ذلك ببيع عقارات التركة ليكمل من ثمنها الوفاء بباقي الديون، ویراعی أن يتم في الأصل بيع المنقولات والعقارات بالمزاد العلني وفقا للأوضاع وفي المواعيد المنصوص عليها في البيوع الجبرية، ولكن يُمكن إتمام البيع بالمزاد مع مخالفة هذه الأوضاع وتلك المواعيد، أو إتمامه بالممارسة، بإجماع الورثة إذا كانت التركة موسرة، أو بإجماع الورثة والدائنين إذا كانت التركة معسرة وليس ثمَّ ما يمنع الورثة والدائنين إذا تم البيع بالمزاد العلني، على أي وضع كان، من الدخول في المزاد (مادة 877 معاملات مدنية). ويقيِّد المشرِّع المصفي بقواعد معينة في شأن كيفية سداد الديون، فيفرق بين التركة المعسرة والتركة الموسرة. 1- التركة المعسرة: يحل أجل الديون المؤجلة في التركة المعسرة نتيجة هذا الإعسار؛ بحيث تعتبر كل ديونها حالة واجبة التسوية، ولما كانت هذه التركة لا تفي حقوقها بكل ديونها، فيقسم المصفى أموال التركة بين الدائنين قسمة غرماء كل بنسبة دينه. ولكن تسوية الديون على هذا النحو لا يمكن إجراؤها فورا بمجرد انقضاء الميعاد المعين لرفع المنازعات المتعلقة بالجرد إلا إذا كانت كل الديون غير منازع فيها. أما إذا كانت بعض هذه الديون منازعا فيها؛ فلا يمكن إجراء تسوية جزئية للديون غير المنازع فيها وانتظار نتيجة الفصل في المنازعات لتسوية الديون المتنازع فيها؛ لأنَّ المفروض أن التركة معسرة بحيث لا يخرج كل دائن إلا بوفاء منقوص وبنسبة دينه، وهو ما يقتضي أن تكون الديون جميعا معلومة عند التسوية حتى يمكن تقسيم أموال التركة على الدائنين قسمة غرماء. لذلك؛ يوجب المشرع على المصفى وقف تسوية أي دين من الديون، ولو كان غير منازع فيه، حتى يتم الفصل نهائيًّا في جميع المنازعات المتعلقة بديون التركة، وحينئذ يمكن إجراء قسمة الغرماء بين كافة دائني (مادة 876) ويسوي المشرع التركة محتملة الإعسار بالتركة المعسرة في هذا الحكم. 2- التركة الموسرة: يجب التمييز في شأن كيفية تسوية ديون هذه التركة، بين الديون الحالة والديون المؤجلة. أ- الديون الحالَّة: الأصل أنه ما دامت التركة موسرة تفي حقوقها بديونها أو تزيد فلا محل لتأخير سداد الديون الحالة غير المنازع فيها، لذلك يقوم المصفى بوفائها بعد انقضاء الميعاد المعين لرفع المنازعات المتعلقة بالجرد بعد استئذان المحكمة في هذا الوفاء. أما الديون الحالة المنازع فيها، فتُأخر تسويتها إلى ما بعد الفصل في النزاع نهائيا (مادة 875 معاملات مدنية عماني) ب- الديون المؤجَّلة: الأصل في الديون المؤجلة أنها تبقى على آجالها؛ إذ المشرع العماني لا يعتبر الموت سببا من أسباب حلول الأجل. لذلك؛ فإذا كان مثل هذا الأجل يحل في التركة المعسرة كما رأينا، فحلوله إنما يكون نتيجة للإعسار لا نتيجة للموت. ومع ذلك، فخروجا على هذا الأصل، تحكم المحكمة بحلول الأجل إذا أجمع الورثة على طلب هذا الحلول. وقد راعي المشرع في ذلك أنه قد تكون للورثة مصلحة في التعجيل بحلول هذه الآجال حتى ينتهوا نهائيا من أمر التركة وأمر تصفيتها، لكنه تطلب إجماع الورثة على ذلك حتى لا يضار وارث بهذا الحلول المعجل، ولكن التعجيل بحلول الأجل فيه غالبا إضرار بأصحاب الديون المؤجلة؛ إذ تكون لهم مصلحة في بقاء الدين إلى أجله لتقاضيهم فوائد طوال هذا الأجل؛ لذلك يجب على المحكمة أن تُعين ما يستحق لكل منهم مدخلة في الاعتبار تعويضهم عمَّا فات عليهم من فائدة نتيجة هذا التعجيل طبقا للمادة (878 معاملات مدنية). أما إذا لم يجمع الورثة على طلب تعجيل الديون المؤجلة؛ فيظل الأصل على حكمه من بقاء هذه الديون على آجالها؛ بحيث لا تسدد قبل حلولها، ولكن لا يقتضي ذلك تعطيل التصفية وتعليقها حتى وفاء آخر دين مؤجل. * أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية
مشاركة :