تنام أمي ما إن تعود من صلاة التراويح من شدة التعب والإنهاك، بينما يظل صغار البيت يحفرون المساء بالضجيج واللعب خارجين إلى فضاء الحي، حيث الأزقة وبيوت الجيران ساحات مفتوحة لألعاب تقليدية لعبها كل الصغار في ذلك الزمان، أو عائدين إلى البيت في حركة لا تهدأ، وتظل جدتي مستيقظة أطول وقت ممكن إلى حين عودة جدي وأبي من الخارج، لقد كان عليها مهمة طهي السحور قبل أن تنام، وكان سحور معظم الناس في تلك الأيام الأرز المسلوق واللبن الرائب! قبل الفجر بساعة، يصحو الكبار لتناول السحور، كان بوطبيلة (المسحراتي) يدور في الحي منادياً للسحور، وكانت جدتي تسمع الجميع وهي توقظهم هذه العبارة (السحور بركة). وبينما ينفض الجميع النعاس عن عيونهم، تكون جدتي في مطبخها تعزف أنشودة تحضير السحور، فتتناهى إليهم قرقعة الصواني والقدور وروائح أطعمة تهب من البيوت المجاورة، فالحي يتنفس حركة بفضل النساء سيدات الحياة والالتفاتات الدافئة حيثما كن، أتساءل أحياناً، لولا جدتي، كيف كان كل أولئك سيقاومون نهارات رمضان الطويلة! ما إن ينتهوا من القضاء على آخر لقمة حامدين الله على نعمته، حتى يتعالى صوت الأذان معلناً وقت الإمساك وداعياً المؤمنين لصلاة الفجر جماعة، فينطلق الرجال خِفافاً للمسجد. كطفلة لم أشهد كل هذه التفاصيل بنفسي إلا بعد سنوات عندما ودعت الطفولة وانضممت للكبار الذين فرض عليهم الصوم. كان الرجال يقضون وقت فراغهم في أمسيات رمضان؛ إما في مجالس الرجال وإما بالاستماع لإذاعة صوت العرب وأغنيات أم كلثوم من خلال الراديو، دخل التلفزيون إلى بيتنا عندما كنت في الصف الثاني، لذلك كنا وجميع أطفال الحي نذهب لمشاهدة فقرة الرسوم المتحركة في بيت الجيران الوحيد الذي به جهاز تلفزيون، لقد حافظ رمضان على طقوسه بسبب عدم وجود هذا الجهاز! اقرأ أيضاً: ـــ هل تغير رمضان؟ 1 طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :