تسأل أحدهم، هل تغير رمضان عما كان سابقاً؟ يستغرب سؤالك، لكنه يجيب، لم يتغير كثيراً، الناس تصوم وتفطر وتصلي التراويح، ربما طرأت بعض السلوكيات، وعرفنا بعض الأكلات الجديدة، لكننا ما زلنا نفطر على الأطباق نفسها التي ورثناها عن أهلنا ونحن اليوم نورثها لأبنائنا، لكن رمضان ليس أطباقاً، تقول له، إنه طقس اجتماعي حافل بالتفاصيل، ولا يمكن حصره في طبق أو طبقين. في طفولتي كان نهار رمضان صوماً وصلاة وقراءة قرآن، وبمجرد أذان العصر تبدأ استعدادات نساء العائلة في إعداد لوازم الإفطار أو كما نسميه (الفطور) الذي لم يكن يخرج عن أطباق الثريد والهريس واللقيمات والفرني، والبعض لا يتنازل عن الرز باللحم أو السمك، هذه الأطباق كانت تقوم بها نساء البيت، لا وجود لعمالة مساعدة، لا عاملات ولا طباخ! تجهز جدتي قدر الهريس الضخم منذ ما قبل الظهر: حيث تعده وتطهوه وتكمره في النار زمناً حتى ينضج، ويقوم جدي بضرب محتوياته بمضرب خشبي خاص قبيل أذان المغرب، ومن ثم يوزع في أطباق صغيرة تحمل على أيدي الصغار لتصل إلى الجيران، بينما تتحلق البنات والصبية الذين لم يصلوا سن الصوم بعد حول القدر للحصول على بعض البقايا العالقة فيه! يفطر الرجال في مجلس أحد وجهاء الحي، وتفطر النساء والصغار في المنزل، يصلون المغرب ويتحلقون حول (دلال) القهوة والشاي وتدور الفناجين ورحى الحكايات، حتى يعلو صوت أذان العشاء فينفضُّ السامر، وينطلق الرجال والنساء لصلاة التراويح، كانت أمي تحرص على اصطحابي معها، لأخفف وحشة الطريق عليها، فقد كان المسجد بعيداً بعض الشيء، فإذا وصلنا كانت تطلب مني ألا أدخل المسجد، فأبقى في الخارج ألعب مع بقية الصبية حتى تنتهي فنعود معاً صامتة لا تحدثني، كانت تبدو منهكة، لذلك كانت تنام بمجرد أن ندخل البيت! غداً نكمل.. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :