مفكرون خالدون| محمد عبده.. إمام التنوير

  • 4/16/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كان الإمام محمد عبده يرى بفكره الثاقب أن استخدام الدين مطية للسياسة يضر بالدين والسياسة معًا، وأن وصول التيارات التي تستخدم الدين وسيلة للحكم في بعض الدول يضر بالدين وبالسياسة وبالحياة. وكانت نظرته المطالبة بإبعاد رجال الدين عن حكم الشعوب، مبنية على أساس أنهم قد يعتبرون رأيهم صوابًا يتماشى مع الدين، دون أن يدركوا أنه خطأ يجافي الدين. سعى في منتصف القرن التاسع عشر وطالب بالإصلاح الديني، وتجديد الفكر الإسلامي، وكان يرى أن الإصلاح يبدأ في الفكر ومحاربة الجهل، والتخلف دون رفض أصل حضارتنا العربية وهو الإسلام. لخص محمد عبده منهجه في الإصلاح الديني واللغوي، وكان لا يرى طريقًا للإصلاح الديني سوى بإصلاح الأزهر، وقال في ذلك جملته الشهيرة: «إن بقاء الأزهر متداعيًا على حاله محال، فهو إما أن يعمر، أو أن يتم خرابه». وهو يرفض الخلط بين الدين والسياسة ويقول «من الضلال القول بتوحيد الإسلام بين السلطتين الدينية والمدنية، فهذه الفكرة خطأ محض، ودخيلة على الإسلام، ومن الخطأ الزعم بأن السلطان هو مقرر الدين وواضع أحكامه ومنفذها، وأن المسلم مستعيد لسلطاته، والإنسان لم يخلق ليقاد بالزمام بل فطر على أن يهتدي بالعلم». والاجتهاد يجب أن ينبع من حالة العصر ويعبر عنه، وليس هناك أي اجتهاد يلزم المسلم في جميع العصور، فمتي انقضي العصر وزالت مقتضياته، زال معها ما يخصه من الاجتهاد، وما رافقه من الأحكام وعلي المسلم أن يتبصر دائما بالقرآن والسنة، ويجتهد في أعماله وأفكاره بما يلائم عصره الذي يعيش فيه، وعليه ألا يتحرج من الاختلاف بين ما يصل إليه باجتهاده وعقله، وبين ما وصل إليه السابقون من المسلمين». واستخدم نهجه العقلاني في تفسير القرآن «ككتاب دين»، واستنكر موقف الذين يبحثون عن حقائق العلوم الطبيعية في القرآن. وكما ذكر في أعماله الكاملة «ليس من وظائف الرسل عمل المدرسين ومعلمي الصناعات وتعليم التاريخ، ولا تفصيل لما يحتويه عالم الكواكب، ولا بيان ما اختلف من حركاتها، ولا ما استكن من طبقات الأرض، ولا مقادير الطول فيها والعرض، ولا ماتحتاج إليه النباتات في نموها، والحيوانات في أنواعها، أما ما ورد من كلام الأنبياء من الإشارة إليها فإنما يقصد منه النظر إلى ما فيه الدلالة على حكمة مبدعة أو توجيه الفكر إلى القول لإدراك أسراره وبدائعه. «وليس في القرآن شيء من التاريخ، من حيث هو قصص وأخبار الأمم والبلاد، وإنما هي الآيات والعبر تجلت في سياق الوقائع بين الرسل وأقوالهم لبيان سنن الله فيهم.. فليس القرآن تاريخا ولا قصصا، وإنما هداية وموعظة». والإسلام دين العقل والرسول يقول "العقل أصل ديني" وعلي هذا الطريق يقول الإمام محمد عبده إن العقل من أجل القوي، بل هو قوة القوي الإنسانية وعمادها، والكون جميعه هو صحيفته التي ينظر فيها وكتابه الذي يتلوه، وليست هناك صفحات في هذا الكون محظور على العقل الإنساني أن يطالعها ويري فيها ما يراه، ذلك أن الحدود التي تحدد نطاق النظر العقلي هي حدود "الفطرة" لا "النصوص المأثورة"، فالعقل من أفضل القوي الإنسانية بل هو أفضلها على الإطلاق. وإذا كانت هذه آراء الإمام وطريقته في التفكير الحر، فمن الطبيعي أن تكون الفتاوي التي تصدر عنه معبرة عن روح العصر والتقدم، فأفتي بجواز التصوير الفوتوغرافي وإقامة التماثيل وجواز أكل ذبائح المسيحيين واليهود، والسماح للمسلم بارتدائه الزي الأوروبي، وارتداء القبعة، وإجاز فائدة البنوك، وجواز التأمين على الحياة وعلي الممتلكات. هذه الفتاوي التي ربما نبتسم ونحن نقرأها الآن كانت بمثابة ثورة في التفكير والاجتهاد لا يقدر على القيام بها غير الإمام.. ثم مالنا نضحك بشدة وكأنه لا يوجد بيننا الآن من يحرّمون فوائد البنوك والتماثيل! وصف الإمام محمد عبده الفتوحات الإسلامية بأنها أعمال سياسية حربية تتعلق بضرورات الملك ومقتضيات السياسة، ومن ثم فهي ليست بالحروب الدينية.. كما أن الحرب بين الأمويين والهاشميين هي حرب على الخلافة وهي بالسياسة أشبه بل هي أصل السياسة. وهاجم هؤلاء الخلفاء المستبدين قائلا: استبد هؤلاء وأمثالهم بالمسلمين وقادوهم إلى الحروب والهلاك في سبيل بناء إمبراطورياتهم المزعومة.. وقد كانوا مع رعاياهم يضلونهم ويحجبون عنهم مسالك النور باسم الدين ويذلونهم ويضيقون على عقولهم ويحرمون عليهم النظر في السياسة فصاروا لا يرون من وراء ذلك مرجعا وخاصة في المسائل السياسية الخاصة، وبذلك قضوا على قوي البحث والفكر مما أصاب المسلمين بالشلل في التفكير السياسي والنظر في كل مايتصل بشأن الحكم.

مشاركة :