النصيحة.. لماذا لا تجدي أحيانا؟ - سهام عبدالله الشارخ

  • 9/22/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تعتمد ثقافتنا العربية كثيراً على أسلوب الخطب والوعظ وإعطاء النصائح والإرشادات، لذلك يحتل الكلام مساحة كبيرة في حياتنا، عبر وسائل الإعلام ومن على منابر الجوامع، في المدارس والجامعات، في المؤتمرات والندوات، عبر الأشرطة وأفلام الفيديو والمذكرات والكتيبات، الكلام والضجيج يحاصرنا في كل مكان، ضجيج إعلامي حول التربية والتعليم، حول الصحة، وحول الأحداث السياسة، حول كل شيء. النصح مفهوم متأصل ومتوارث في ثقافتنا نمارسه تلقائياً دون أن نشعر، لأننا نظن أننا نستطيع عن طريق النصح والإرشاد أن نعالج مشكلاتنا، ونداوي أمراضنا الاجتماعية، ومع كل إخفاق تتضاعف جرعات الوعظ، لأننا لم ننجح في تأسيس منظومة أخلاقية وتربوية ومعرفية توحدنا وتنظم حياتنا، وتجعلنا على مستوى الفرد والمجتمع قادرين على تحمل المسؤولية وتحقيق التغيير الذي نريده من تلقاء أنفسنا. من خلال تجربة الكثير منا سواء في البيت أو المدرسة، أو في العمل، لا نلمس للخطاب الوعظي المكرر الأثر الإيجابي الواضح على سلوك وعقول وأفكار الناس، الناشئة منهم والكبار، ومع ذلك تستمر ماكينة النصح والإرشاد رغم التململ والنفور، وكأننا بذلك نريح ضمائرنا لأننا نظن أننا فعلنا ماعلينا فعله. لماذا يبدو أسلوب النصح منفراً وغير مجد أحيانا؟ من المعروف أنه ليس من السهل تقبل الوعظ والنصائح، فالموعظة كما قال أحد المؤلفين القدامى "ثقيلة على السمع محرجة على النفس، بعيدة عن القبول" وقد تؤثر إذا صدرت كلماتها في الوقت المناسب ومن قلب مخلص إلى من يريدها ويتقبلها، كما أن بعض الأشخاص لديهم الاستعداد للانفتاح على الآخرين والاستفادة من أفكارهم وتقديرها. تفسر إحدى الدراسات سبب تعامل الأشخاص بمختلف أعمارهم بحساسية وتثاقل تجاه النصح بأن النصائح تقدم على أنها أفكار مثالية دون مراعاة لاختلاف العقليات والإمكانات، ومنظور كل شخص، فما يناسب شخصاً قد لا يناسب الآخر، ومن الأجدى مساعدة الآخرين على الوصول إلى الأفكار والحلول بأنفسهم وحسب رؤيتهم، دون محاولات التأثير عليهم، وعندما يتوصل الأشخاص إلى الحلول المناسبة لهم بإرادتهم ترتفع معنوياتهم ويسارعون إلى اتخاذ الخطوات الصحيحة لإصلاح الوضع، ويمكن أن تكون المساعدة عن طريق توجيه أسئلة تعين الأشخاص على تحديد المشكلة من وجهة نظرهم وعن توقعاتهم لما سيحدث إذا حُلّت بنجاح، أو بمحاولة جعلهم يركزون على مشاعرهم الداخلية بطرح عدد من التساؤلات حول الحلول التي يميلون إليها أكثر، وما الذي جربوه، وكيف كانت النتيجة؟ وما إذا كان هناك ما يمكن عمله وخطوات البدء، وتحديد الدعم الذي يحتاجونه؟ قد يرى البعض أن هذا يتطلب مجهوداً ووقتاً وصبراً ولكن من المؤكد أن هذا الأسلوب يساهم في التقارب، وفي بناء الثقة بالنفس والثقة في الآخرين، وفي تقوية القدرة على تقييم الخيارات، وإحداث التغيير المطلوب.

مشاركة :