بعض الأشخاص لديهم حساسية شديدة من سماع الآراء والأفكار المتعلقة بهم سواء على الصعيد الشخصي أو العملي حتى لو بدت تلك الآراء منطقية وحقيقية، فهم يرفضون التعامل معها ويحاولون التهرب والقفز عليها وصرف النظر إلى أمور أخرى، وتجد منهم من يلجأ إلى الخلط بين أشياء لا علاقة بينها من باب تشتيت الانتباه عن الموضوع الأساسي، وقد يظهر مشاعر الغضب والإحباط ويخرج عن طوره حتى لو كان نقاشاً في حقائق عامة. يرفض هؤلاء تقبل الحقائق لأنها تفرض عليهم الخروج من واقع فيه أوهام وأكاذيب ولكنه مريح، إلى واقع آخرمؤلم يتطلب منهم جهداً في التغيير وإعادة نظر في بعض المعتقدات والتصورات، وقد يجبرهم على النظر إلى أنفسهم بطريقة مختلفة وبالتالي يرون أشياء لايريدون أن يروها، لذلك يؤثرون تفادي الضغوط والمشكلات أو تأجيل البحث فيها. من ناحية أخرى فإن بعض الحقائق يصعب على أشخاص فهمها، وكلما صعب فهم وتفسير المعلومات والأفكار كلما زاد التهرب. في حالات يرفض أشخاص الحقيقة حتى لوكانت متعلقة بصحتهم، وكم من مرضى ساءت صحتهم لأنهم لم يتجاوبوا مع حقائق مرضهم، وعاشوا في حالة نكران وهروب تجنباً للقيود والتعليمات، ومدمنو التدخين أومرضى السكر والمفرطون في الأكل وغيرهم أمثلة واضحة على مثل هؤلاء. وتكون المواجهة متعبة في مجال العلاقات مع الآخرين ومع أنفسنا، حيث يكون التكتم والمجاملة وإخفاء المشاعر والمواقف الحقيقية مدمراً للصحة الجسمية والنفسية، وفي الوقت نفسه تكون الأعراض الجانبية وردود الأفعال المحتملة مؤلمة نتيجة المصارحة، ولذلك يتخوف البعض منها ويحاول تجنبها ولكن لا فائدة من التردد والتسويف، فالخلل سيظهر مهما طال الزمن، أما مواجهة النفس فهي امتحان لإرادة الإنسان وقدرته على رؤية الأمور بموضوعية، وتحمل المسؤولية التي ستقوده في النهاية إلى الشعور بالامتنان أن وفقه الله إلى لحظة صدق مع النفس تضيء حياته من جديد. وإذا كان سماع الحقيقة صعباً، فتوصيل الحقيقة إلى الآخرين أيضاً ليس سهلاً، لأن هناك تخوفاً من طريقة تلقيها حتى ولو تحلى القائل باللباقة والكياسة المطلوبة، فنحن بشر والجميع يدرك ما تعنيه مواجهة الواقع، وما يعنيه تغيير النمط الذي نعيشه والفكر الذي نحمله، والمسؤوليات التي علينا القيام بها من أجل التغيير، وندرك أيضاً ما يمكن أن نخسره جراء المصارحة وكيف يمكن أن تؤثر في العلاقات بين الناس. الحقيقة في الغالب مرة وقد تكون مؤذية، ولكن لا مفر من سماعها والتعامل معها بشجاعة، فالاستمرار في الأوهام والأخطاء معناه السير بالاتجاه الخاطئ في الحياة، والحرمان من فرص التغيير إلى الأفضل، وكما قال جبران:"ليس من يصغي للحق بأصغر ممن ينطق بالحق".
مشاركة :