كلنا بشر وكلنا يخطئ فالخطأ جزء من طبيعتنا، ولكن لماذا نكرر أخطاءنا؟ لأننا ببساطة لا ندركها وحتى إذا أدركناها لا نعترف بها، ولماذا لا نعترف بها؟ لأن من يعترف بخطئه عليه أن يتحمل مسؤولية التصحيح بما يتطلبه من صدق، وعقلانية، وشجاعة، وجهد، وتضحيات، وتنازلات، وهو ما لا يحتمله ويمتلكه كثير منا. عدم الإقرار بالخطأ وراء أغلب مشكلاتنا ومآسينا على الصعيد الفردي أو الجماعي، ومن يقرأ تاريخنا يجده مليئا بالمبررات والتفسيرات المغلوطة، فنظرية المؤامرة بكل ألوانها تحتل جزءا كبيرا من مبررات عثراتنا وهزائمنا، لأننا بمجرد الادعاء بالمؤامرة نعفي أنفسنا من المسؤوليات بأسهل الطرق ونرتاح، وإذا لم تكن هناك مؤامرة يجري البحث عن أسباب وعوامل غير موضوعية تهدف فقط إلى تعطيل الفكر، وإلجام الأفواه. عندما نأتي إلى موضوع الاعتراف بالخطأ على المستوى الشخصي نجد وجهات نظر مختلفة ومن خلال اطلاعي على مناقشات حوله وجدت أن الغالبية من المشاركين تجد صعوبة في التسليم بالخطأ، فمنهم من يرى أنه ليس من السهل أن يقرر شخص ما هو الخطأ الذي ارتكبه الآخر أو ما يمثل جانبا من شخصيته أو نمط تفكيره، فقد تكون لدى البعض حساسية أو مفاهيم مختلفة حيال أشخاص أو تصرفات أو آراء ليست بالضرورة أخطاء أو عيوبا، ومع ذلك يجدر بالشخص أن يأخذها بالاعتبار عند التعامل معهم، وهناك من يرى أن شعور البعض بالنصر والزهو أمام من يقر بخطئه يؤذيه وربما يجعله يتردد بالاعتراف، وقد يقر به سرا ويجد حرجا في العلن، أو يعترف به من حين لآخر، كما أن الكبرياء والشعور بالأنا أو الخوف من العواقب وإفساد العلاقات تمنع الإنسان من أن يقر بالخطأ. لذلك فإن النضج والقدرة على تحليل الأمور وتقييم الذات بواقعية تجعل الإنسان أكثر تقبلا لخطئه، وميلا إلى تصحيحه، وهذا يجعلنا نربط بين التربية والبيئة التي تتشكل فيها الشخصية، وبين موضوعنا، فالبيئة التي يتوفر فيها الأمان النفسي والتعليم والثقافة والقيم الأخلاقية والقدوة الصالحة تنتج أبناء متوازنين واثقين من أنفسهم، لديهم الشجاعة والقدرة على قول الحق والاعتذارعن الخطأ، لأن الإنسان بحسه الفطري يعرف الصح من الخطأ، وتأثير البيئة الإيجابي أو السلبي يدعم أو يقلل من هذا الحس. هذا يجرني إلى الحديث عن ثقافة المجتمع المتعلقة بالاعتذار حيث تتفاوت المجتمعات حسب المعايير والقيم والقوانين الملتزمة بها، فيمكن أن نقول إن هناك مجتمعات متحضرة لديها إحساس عال بالمسؤولية تجاه الأخطاء لذلك تسود فيها ثقافة الاعتذار، بينما نجد مجتمعات أخرى أقرب إلى الاستهتار بالأخطاء والتهرب منها كحال مجتمعاتنا رغم كثرة الآيات الكريمة والأحاديث التي تتحدث عن التوبة والتراجع عن الخطأ! من هنا يمكن أن نفهم ما وراء نكساتنا عبر التاريخ، حيث الخوف والجبن من مواجهة الحقيقة وتحمل المسؤولية، والبحث عن مشاجب لتعليق الأخطاء والخطايا عليها.
مشاركة :