حسن عجمي: الفصل بين الأجناس الأدبية .. وهم وخداع

  • 9/23/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الكاتب اللبناني حسن عجمي، أفكاره في ميادين اللغة والفلسفة والنظريات الجديدة والحديثة في علم الكلام، كثيرة تطرح الإشكالية تلو الإشكالية، وما زالت تشغل كل مهتم بالفكر واللغة والفلسفة. فبعد سلسلة كتب أصدرها حول قضايا الحداثة والفلسفة والحضارة، باللغة العربية، ها هو اليوم يطل بكتاب جديد، ويندرج في نفس السياق الذي اختاره لمشروعه الكتابي، وهذه المرة من خلال اللغة الإنجليزية، بكتاب تحت عنوان التواصل العربي الإسلامي واللغة العربية. ولمناسبة هذا التحول في كتاباته تحدث حسن عجمي عن مشروعه الذي أخذه إلى حدود الفكر والوعي والأسئلة الإشكالية والشعرية. * في كتابك الجديد الصادر باللغة الانجليزية تناقش قضايا التواصل فلسفياً واجتماعياً وتقارن بين التواصل العربي والتواصل الغربي، ما هي السمات الأساسية للتواصل العربي ؟ يختلف التواصل العربي عن التواصل في الغرب، فالتواصل العربي تواصل بين الجماعات كالعائلات بينما التواصل الغربي تواصل بين أفراد مستقلين عن الجماعة، والتواصل العربي يهدف إلى إعادة صياغة الواقع كما هو بينما التواصل الغربي يهدف إلى إحداث تغيير، فمن دون إحداث تغيير لا يوجد تواصل في الغرب، لكن إحدى الوظائف الأساسية للتواصل في العالم العربي كامنة في إبقاء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية كما هي في الحاضر والماضي، وبذلك تواصلنا تواصل ماضوي بينما التواصل الغربي تواصل مستقبلي بمعنى أننا حين نتواصل نسعى إلى الحفاظ على الوضع الراهن وصياغة الماضي في الحاضر بينما التواصل الغربي يهدف إلى إنشاء مستقبل مختلف عن الحاضر والماضي، كما أن تواصلنا العربي يتكوّن من عمليات إخفاء المعلومات، لكن التواصل في الغرب يتشكّل عادةً من عمليات إظهار ونشر القدر الأكبر من المعلومات. فمثلاً، عندما نتواصل في شرقنا نميل إلى استخدام العدد الأقل من الكلمات، ونحن بذلك نخفي المعلومات باسم بلاغتنا الكاذبة، كما أننا عادة ً لا ننشر المعلومات ولا نعبِّر عنها بسبب خوفنا من هذا الطاغية أو ذاك، والأنظمة الديكتاتورية تمارس عمليات إخفاء المعلومات وتشويهها، ومن جراء هذا الاختلاف بين عمليات التواصل في العالم العربي والتواصل في الغرب نشأ سوء التفاهم بين شرقنا والغرب ما أدى إلى الصراعات بينهما. * كيف تحلّل اللغة العربية ودورها في هذا الكتاب؟ وهل يوجد ما هو جديد في مسألة تعريف اللغة العربية وتحديد أهميتها ؟ أقدّم في هذا الكتاب تحليلا ً جديداً للغة العربية، فاللغة العربية مجموعة معلومات متوارثة، لكن الناس يفكرون ويتصرفون على ضوء معلوماتهم. لذا اللغة العربية تشكّل عاملا ً أساسياً في تحديد العقل العربي وسلوكياتنا كعرب. فمثلاً، من الممكن لغوياً اشتقاق مصطلح المعرفة من كلمة العُرف، وبذلك بالنسبة إلى اللغة العربية، المعرفة كامنة في العُرف. هنا، اللغة العربية تتضمن معلومة متوارثة مضمونها أن المعرفة موجودة في العُرف. وهذا أدى بالثقافة العربية إلى أن تصبح ثقافة عُرفية فتراثية، هكذا اللغة العربية تحدِّد ثقافتنا وعقولنا. مثل آخر هو أن كلمة العائلة مشتقة لغوياً من عالَ. وبما أن كلمة العائلة مشتقة من عالَ، إذن، بالنسبة إلى اللغة العربية، العائلة هي التي لا بد من إعالتها، هنا، اللغة العربية تتضمن معلومة متوارثة ألا وهي أنه لا بد من إعالة العائلة، ولذا أمست الثقافة العربية ثقافة جماعية حيث يعرِّف الفرد نفسه من خلال الجماعة كالعائلة وحيث تسود القيم العائلية. والأمثلة عديدة على صدق هذه النظرية القائلة بأن اللغة العربية هي مجموعة معلومات متوارثة، وذلك بفضل قوة عمليات الاشتقاق في لغتنا. * في كتابك الثاني الصادر أيضاً باللغة الانجليزية بعنوان رحلة فلسفية وشِعرية قصيرة تعبِّر عن فلسفتك شِعرياً ونثرياً في آن، لماذا تعتمد على الشِعر والنثر الأدبي معاً للتعبير عن بعض الأفكار الفلسفية ؟. ليس بالنثر وحده يحيا الإنسان، فالشِعر يُكمل النثر والعكس صحيح أيضاً. ولذا وُلِد النثر والشِعر معاً، ما لا نستطيع التعبير عنه نثرياً نتمكن من التعبير عنه شِعرياً والعكس صحيح. على هذا الأساس، الفصل بين الشِعر والنثر فصل مخادع، بل هما يشكّلان حقلا ً معرفياً ولغوياً واحداً تماماً كما أن الفلسفة والأدب يشكّلان ميداناً معرفياً وإبداعياً واحداً، فالفلاسفة هم أيضاً أدباء، والأدباء والشعراء هم أيضاً فلاسفة. اليوم نحيا في عصر انصهار الحقول المعرفية والإبداعية رغم السوبر تخلف الذي يقاتلنا ويقتلنا بشكل يومي. من جهة أخرى، يحتوي كتاب رحلة فلسفية وشِعرية قصيرة على أفكار فلسفية صوفية كفكرة وحدة الوجود ووحدة الأديان والحضارات ووحدة الإنسانية. * في كتابك السوبر حداثة في مواجهة السوبر تخلف الصادر باللغة العربية تناقش أفكاراً فلسفية واجتماعية مرتبطة بالحداثة والتخلف. كيف تعرِّف السوبر حداثة والسوبر تخلف وتحلّل صراعهما؟ تختلف السوبر حداثة عن الحداثة وما بعد الحداثة. تقول الحداثة إن الكون مُحدَّد ولذا من الممكن معرفته بينما تعتبر ما بعد الحداثة أن الكون غير مُحدَّد ولذلك من غير الممكن معرفته. أما السوبر حداثة فتؤكد على أنه رغم لا محدودية الكون من الممكن معرفته وتفسير ظواهره وحقائقه. * لماذا تكتب باللغة الانجليزية رغم اعتزازك باللغة العربية والكتابة بها؟ كل اللغات ليست سوى لغة واحدة كما يقول نعوم تشومسكي، وهذه فكرة صوفية أيضاً وليست فقط نظرية لغوية وفلسفية. فتماماً كما أن كل الحضارات هي حضارة واحدة، وكل البشر هم إنسان واحد، كذلك اللغات المتنوعة هي لغة واحدة كامنة في جيناتنا البيولوجية. من هنا، الكتابة بلغات متعددة مجرد تعبير عن إنسانيتنا الواحدة التي لا تفرّق بين الثنائيات الكاذبة، فالثنائيات التي تميّز بين هذه الحضارة وتلك وبين هذا الإنسان وذاك أدت إلى تمزق البشرية وصراعاتها. لذا لا بد من التحرر من الثنائيات المخادعة والانتماء إلى الحقيقة العلمية ألا وهي أننا كلنا إنسان واحد وننتمي إلى حضارة واحدة. علمياً كل البشر يملكون الجينات البيولوجية نفسها، وهذه الجينات هي معلومات متوارثة تحدِّد أجسادنا الحية وعقولنا وتصرفاتنا، لذلك كل البشر يشكّلون إنساناً واحداً لا يتجزأ، وكل الثقافات التي نتحدث عنها ليست سوى تجسدات متنوعة لحضارة إنسانية واحدة، فإذا زارنا كائن عاقل من الفضاء فسوف يرى حضارة إنسانية واحدة وإنساناً واحداً.

مشاركة :