كثير من المرويات التي نشأنا وكبرنا ونحن نرددها ونحفظها، لكنّ أحداً لم يجلسنا يوماً ليناقشها معنا، لنعرف قانون العلاقات ونتبصّر في معادلة الظروف والعوامل الخفية، فهل كان ما يسمى بثورات الربيع العربي ودعوات الديمقراطية الجوفاء، والدعوة لإسقاط الأنظمة وغيرها، هي الطريق الأوحد فعلاً؟ لقد آمن الناس بذلك، لكنهم حين استفاقوا اكتشفوا أن هناك ظروفاً محيطة لعبت لعبتها في الخفاء، وأشخاصاً وفاعلين ومستفيدين قفزوا للواجهة، وبدلّوا وكتبوا معادلاتهم التي لا علاقة لها بإرادة الناس للأسف الشديد!لقد كتب أبو القاسم الشابي منذ سنوات طويلة: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر وكانت تونس ترزح تحت السيطرة والاستعمار، لكن الشعب أراد الحياة التي يستحقها، فتحررت تونس بالعمل والتضحيات وليس بالأحلام والأدعية وجماعات النهضة وأصحاب الشعارات، ذلك أن الحياة كما قال أحمد شوقي رأي وإرادة، وأن الإنسان مطالب بالوقوف مع رأيه لأن (الحياةَ عقيدةٌ وجهادُ). لكن ماذا بعد كل ذلك؟ هذا هو السؤال الأهم، ليس في تونس فقط، ولكن في كل مكان قال فيه الناس: ولا بدّ لليل أن ينجلي لقد انجلى ظلام ليل لتحل بكثير من البلدان ظلمات أشد، وانكسر قيد لتجد الشعوب نفسها مكبلة بقيود أقوى لا تنكسر، وسقط الناس في لجة أسئلة بائسة، ووصل الأمر ببعضها أن صارت تتحسر على الملكية الفاسدة والديكتاتورية المتسلطة، وصاروا يشككون في مثل الديمقراطية ويعيدون تفكيرهم في التسلط والظلم، فحاكم ظالم متنوّر خير من حاكم ديمقراطي ضعيف! وامتلأ الفضاء بعبارات الترحّم والأسى على أيام الديكتاتوريات! لأننا نترك فراغات كثيرة وثقوباً مهملة في مشاريعنا الوطنية ونتصارع على الفتات فيقفز أصحاب الأجندات المشبوهة، ولأننا لا نؤمن بالرأي الآخر، لأننا لا نربي العقل الناقد للواقع قبل العقل الجائع للسلطة، لأننا لا نرى الإبداع إلا في الفساد والإذعان والنفاق السياسي.. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :