جنايتان تقترفان في حق النقد الثقافي، أولاهما الزعم أن النقد الثقافي محصور في نقد الأنساق الشعرية دون غيرها، والثانية هي في الخلط بين النقد الثقافي والدراسات الثقافية، والخلط الذي لا يميز بين الدراسات الثقافية والنقد الثقافي، هو خلط يقترفه البعض، فيشوهون عملهم أولاً من حيث تلبيسه بغير لبوسه ومن حيث دعواهم لما لا يتسق مع عملهم، وهذا تشويه معرفي يجعلهم في خانةٍ سلبية، وكأنما يغطون على نقص في معرفتهم بمنهجيات النقد الثقافي، وقد وضحت الفرق بين النقد الثقافي والدراسات الثقافية في الفصل الأول من كتابي النقد الثقافي الصادر عام 2000، كما وضحت المنهجية المتبعة للنقد الثقافي في الفصل الثاني من الكتاب، وما يعزز ذلك ويثبته هو التطبيقات في الكتاب نفسه. ولذا أشعر بالضيق على حالات التطفل الثقافي لدى من يكتبون أعمالاً هي من جنس الدراسات الثقافية ويلصقون فوقها عنوان النقد الثقافي تشويشاً وتشويهاً، وهذه خطيئةٌ علمية لا تصح من أي باحث يحترم نفسه ويتورع من تسمية عمله بغير اسمه. على أن النقد الثقافي يتأسس على تلمس الأنساق المضمرة وفحص الخطابات للنبش عن المضمرات النسقية وفق منهجية تعتمد مفاهيم المجازات الكلية والتورية الثقافية والجملة الثقافية والدلالة النسقية، بينما الدراسات الثقافية تعتمد على تداخل ما هو أدبي بما هو سياسي واجتماعي وتقف على ظاهر الخطاب وتقاطعه مع الواقع الراهن سياسياً أو اجتماعياً، وتتخذ الأدبي بوصفه وثيقةً تدين المعنى المؤسسي، ولكنها لا تغوص في مفاعيل الأنساق ووظيفة المؤلف المزدوج فيما بين المؤلف الاعتباري والمؤلف المجازي، وهنا نقصد الثقافة بأنساقها بوصفها مؤلفاً «مؤلفة مصاحبة»، وهنا يتداخل الوعي الذي يمثله المؤلف الاعتباري مع النسق الذي هو مضمر ثقافي يختبئ من تحت الجمالي ويتوسل بالجمالي لتمرير ديمومته أو العمى الثقافي حسب مصطلح النقد الثقافي حين يعجز الوعي عن كشف دور المؤلف المضمر. ومن ثم فنحن أمام مؤلفين اثنين متلبسان معاً في الخطاب، أحدهما في ظاهر النص والآخر «الأخرى» في مضمرات النص. أما القول: إن النقد الثقافي محصور في الشعر ففيه تغافل واضح عن النظر في كتبي الأخرى من كتاب المرأة واللغة وقد تبعه خمسة كتب كلها في سؤال اللغة والمرأة وحال الثقافة وأنساقها في هذه المباحث، وكذلك كتابي القبيلة والقبائلية ودور النسق الاجتماعي في تشكيل الذهنية الطبقية، ثم كتابي الليبرالية الجديدة عن الأنساق السياسية ورأسمالية التصورات الاقتصادية والذهنية، وكذلك مباحث التماهي ما بين المعقول واللا معقول في مفاهيم العقل فلسفياً وثقافياً، وفي ذلك ثلاثة كتب في نقد العقل وفي تحرير مآلات الفلسفة. وكما وقفت على نسقية المتنبي، فقد وقفت على نسقية أفلاطون ونسقيات ثقافة الصورة في زمننا الحاضر. وأخيراً ليس من منهجيتي ولا من مروءتي العلمية أن أزاحم غيري في تفضيلاتهم ولا في منهجياتهم، وحسبي أن أنافح لتحرير منهجيتي من اللبس والتلبيس وسوء التمثيل، ومن خلط النقد الثقافي كما هو عندي مع الدراسات الثقافية التي لا تتصل بأي رابط منهجي مع النقد الثقافي، وكذلك الزعم بأن النقد الثقافي محصور في نقد الشعر، وإذا تحررت هذه الفروق والتمييزات، فليس عندي ما ألوم به غيري على أي رأي يرونه، وللمرجعية، فإن ما ذكرته من كتب هي موجودة على موقعي Alghathami.com للتحميل القانوني، ومجاناً.
مشاركة :