من قال إن السوريين لا يريدون تكرار التجربة الروسية المريرة في أفغانستان، هذه المرة في سوريا؟ ما من سوري، يَحكمُ على ما فعله الأسد بشعبه، بعين الإنصاف والموضوعية، يرفضُ ذلك من قريبٍ أو بعيد. بل إن ثمة من كانوا (محايدين) باتوا أقرب لهذا الموقف، بعد إذ رفعَ الروس ورقة التوت، كما يُقال، نهائيًا عن عورتهم. وتَنَاسوا، في عملية (استغباء) تتنافسُ في وصفها الوقاحةُ مع النفاق، المفارقة بين عدد مرات (الفيتو) التي استخدموها في مجلس الأمن ضد أي (تدخلٍ أجنبي)، في حين تنتشر بوارجهم وطائراتهم ودباباتهم اليوم على أرض سوريا، وفي سمائها وسواحلها! ثمة رغبةٌﱡ طاغيةٌ بين السوريين في أن يحصلَ ذلك. والأمرُ لا يتوقفُ عند الرغبة بالتأكيد، بل إن فيهم رجالًا مستعدين، عمليًا، لأن تكون هذه (الملحمة) السورية مع الروس درسًا يجعلهم يندمونَ على قرارهم، كما لم يحصل من قبل، وتنتهي معهُ أحلامهم بالاستقرار قرب (المياه الدافئة) إلى الأبد.. لكننا نطرح السؤال في معرض تحرير القول بخصوصه من زاويتين. فالبعض، من ناحية، ينوحُ ويتباكى، وينذر بالويل والثبور، تحت عنوان (الخوف) الشديد مما يُسمى (أفغنة) سوريا. في هذا الإطار، يبدو الأمر، في حقيقته، ممارسةً لترفٍ ثقافي نخبويٍ مُتعالٍ على تضحيات السوريين، لا يُبالي بآلامهم وآمالهم، عمليًا، تحت دعاوى وعناوين (ثقافوية) تنظيرية باردة، تقف عند نقطةٍ مثالية مؤداها الفعلي يتمثل، في نهاية المطاف، بضرورة تجنب (الاصطدام) مع الروس في سوريا عسكريًا. و(الإصرار) بدل ذلك على (تفهُّم) الموقف الروسي ذاك، وإقناع النفس بأنه جاء ليُساعد في محاربة (الإرهاب)، والتواصل معهم، بناءً على ذلك. وبكل هذا التفكير (الرغائبي)، كيلا نصفه بالـ(غبي) أو (التوريطي)، عسى ولعل أن يمكن التوصل إلى تفاهماتٍ معيَّنة معهم. والمهم في النهاية ألا تحصل (الأفغنة). لكن المهم هنا في استخدام المصطلح لا يتعلق بدراسة وتجنب العناصر والأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى حصول السلبيات التي ظهرت في أفغانستان بعد هزيمة السوفيات/ الروس.. وهذا مرةً أخرى ما سنتحدث فيه أدناه، وإنما استعمالُ الرواية أعلاه للحيلولة دون حصول تلك الهزيمة. وهذه ممارسةٌﱡ تقوم بها شرائح كبيرة، إعلاميين وكتابًا وساسة، من مؤيدي النظام بالتأكيد، لأن بإمكان تلك الرواية، الآن، أن تكون العنصر الرئيس في إستراتيجيةٍ كبرى تدخل في إطار الحرب المعنوية الحسّاسة الآن، عنوانُها (التخويف). رغم هذا، يقوم بنفس الممارسة إعلاميون وكتاب وساسة آخرون، بعضهم (رمادي).. وآخرون منهم يُسمون أنفسهم مؤيدين للثورة السورية، بل وغيورين عليها.. لا تضعُ هذه الطريقة في التفكير، وأصحابُها، الأمور في نصابها الحضاري والثقافي والسياسي الكبير، ولا يحاول أهلُها التفكير بإمكانية استفادة الشعوب من تجارب التاريخ، كما سنحاول أن نفعل فيما يلي. ومدخلُ الكلام هنا، في الحقيقة، موجّهٌ للشعب السعودي والقطري والإماراتي وشعوب الخليج بأسرها. فبعيدًا عن أي مديحٍ لا يليق بالمقام، ولا بمن ينتسب للثورة السورية وقِيمِها، ما من شعوب، في بلاد العرب والمسلمين قاطبةً، تُبدي مقادير من الشهامة والمروءة والغيرة والإحساس، وتعيش همﱠ السوريين بصدقٍ نادر، وتحاول تقديم كل عونٍ ممكن، كما هو حال أهلنا في الخليج. هذا وصفٌ تُثبته الوقائع والأرقام والمعلومات بطريقةٍ لا تقبل الجدل والتشكيك، خاصةً لمن هم أقربُ، من السوريين، لكل ما له علاقةٌ بالمشروعات الفردية والجماعية والشعبية والرسمية، المُعبرة عمليًا عن المشاعر التي نتكلم عنها. وثمة جميلٌ في عنق الشعب السوري، إنسانيٌ وروحي وثقافي، بعيدًا الآن عن السياسة وحساباتها، سيتعبُ السوريون في محاولتهم ردﱠ شيءٍ منه في المستقبل. وقد ظهر ما نتحدثُ عنه خلال الأيام الماضية، على شكل خطب ومقالات وتصريحات وبيانات فردية وجماعية، تصب بقوةٍ في إطار الحث على تقديم كل أنواع الدعم للسوريين، مرتبطًا هذه المرة بالغزو الروسي لسوريا. لكننا نريد سويًا، كسوريين وخليجيين، أن نعمل بكل ما أوتينا من حكمة الآن، لنُحقق الهدف المذكور أعلاه: أن تُهزم روسيا في سوريا، بشكلٍ ليس كثيرًا على الله أن يكون سببًا في سقوط النظام الروسي، تمامًا كما كانت الهزيمة في أفغانستان من أهم أسباب سقوط الاتحاد السوفياتي بأسره.. ( للحديث صلة ). waelmerza@hotmail.com
مشاركة :