"المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم، يحكم بهواه، لا بشريعتهم، ويعلم أنه الغاصب المتعدي، فيضع كعب رجله على أفواه الناس، ليسدها عن النطق بالحق والتداعي للمطالبة به، لأن المستبد عدو الحق، عدو الحرية وقاتلهما". هكذا يبدأ عبدالرحمن الكواكبي في كتابه، إذ يتحدث عن تشابه المستبدين في كل العصور وعبر الأجيال، ويُظهر كوارث أضرار الاستبداد على الشعوب. وقد أفنى الكواكبي -كما كتب- عمراً عزيزاً في تبيان طبائع الاستبداد، وتشخيص مصارع الاستعباد، مُتبعاً أسلوباً سهلاً ليبين تلك المهالك في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي عاشها تحت هيمنة استبداد واستعباد الدولة العثمانية. *** * الكواكبي يُعد واحداً من رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر. وُلد وعاش في مدينة حلب، وأمضى فيها معظم حياته يقارع السُّلطة العثمانية. ويُعد كتابه من أوائل الكُتب التي تتناول بالنقد الحاد السُّلطة المستبدة سياسياً، وتأثير ذلك الاستبداد على تحضُّر الشعوب. ويقول في بعض سطور الكتاب: "أنا مسلم عربي مضطر للاكتتام، شأن الضعيف الصادع بالأمر، المعلن رأيه تحت سماء الشرق، الراجي اكتفاء المطالعين بالقول عمن قال: ويعرف الحق في ذاته، لا بالرجال. وأنا لا أقصد في مباحثي ظالماً بعينه، ولا حكومة أو أمة مخصصة، إنما أردتُ بيان طبائع الاستبداد وما يفعل، وتشخيص مصارع الاستعباد وما يقضيه ويمضيه على ذويه". *** • ترك الكواكبي وطنه مضطراً إلى مصر، وكتب عن ذلك: "أقمت في مصر مغتنماً عهد الحريات فيها، فوجدت أفكار التراث القومي في مصر كما هي في سائر بلاد الشرق، خائضة عُباب البحث في كل المسائل الكُبرى، كُل يذهب مذهباً في سبب الانحطاط، وفيما هو الداء، وما هو الدواء، حيث إني قد تمخض عندي أن أصل هذا الداء هو الاستبداد السياسي، ووجدت أن لا علاج له إلا بحكم الشورى الدستورية، وإني أرى أن المتكلم عن الاستبداد عليه أن يلاحظ تعريف وتشخيص ما هو الاستبداد، وما سببه، وما أعراضه، وما سيره، وإنذاره، وكيف يتم علاجه". *** في نهاية هذا المقال، لابد من القول إن سطور الكواكبي الأخيرة، دفعت بي للتفكير فيما يجري من مهازل في الكويت، حيث بات الناس في هذا البلد الصغير لا يدركون نعمة الديموقراطية، ونعمة الدستور، ونعمة الحرية، فجعلوا كل هذه المكتسبات وكأنها نقمة على الشعب الكويتي، فأصبحت الحياة السياسية تعج بالفساد، الذي أخلَّ بكل مقاييس الحياة الكريمة، مما جعل الكويت أضحوكة عند الشعوب، لا ترقى في مستواها لما كانت عليه الكويت قبل أن يعبث بها الفساد السياسي للأسف!
مشاركة :