التكتلات الاحتسابية - عبد الرحمن اللاحم

  • 10/13/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

ردة الفعل العنيفة ضد بيان تعكس أن هناك وعياً اجتماعياً يتنامى بشكل مطرد، يقابله عجز مزمن في التكيف مع الواقع لدى الناشطين في جماعات الإسلام السياسي الذين تبنوا البيان وأيدوه، وعدم قدرتهم على التكيف مع أبسط القيم والأدوات التي تحكم واقعنا اليوم والذي يأتي على رأسها مفهوم الدولة التي أصبحت تحتكر وحدها الأعمال السيادية في الداخل والخارج كما أنها تحتكر استخدام القوة وفق سلطة القانون، وتلاشى ذلك النمط التقليدي لمفهوم الدولة الذي لازالت الجماعات الإسلامية السياسية أسيرة له؛ حيث سطوة رجل الدين تعلو على سلطة الدولة وقياداتها السياسية. هذا البيان جاء ضمن سلسلة متواصلة عبر عقود من الزمن من قبل الحركيين الذين يصرون على إيجاد خط موازٍ للدولة وكانت البداية من الشغب المنظم على مجموعة من المناشط الثقافية والقرارات الحكومية تحت لافتة الاحتساب واستخدمت البيانات الجماعية (التي يمنعها القانون) وسيلة لهذا الاحتساب الداخلي تقريبا من ذات الأشخاص الذي بصموا على بيان وبما أن بياناتهم السابقة مرت دون مساءلة فإن شهيتهم الاحتسابية توسعت وابتدأوا بالاحتساب الخارجي من خلال هذا البيان الذي أعلنوا فيه الحرب على دولة تملك علاقات جيدة مع المملكة وحرضوا على استهداف قواتها والتحريض من جديد على الذهاب إلى مواطن القتال واستعادة أجواء الحرب الأفغانية والتي يريدون من خلالها استعادة دورهم وأمجادهم التي لا تقوم إلا على الحروب والنزاعات المسلحة التي يقتاتون منها. عندما نقول إن أولئك الموقعين لازالوا غير مدركين لمفهوم الدولة؛ فهذا يعني انهم غير مدركين انهم اختطفوا سلطة الدولة وسيادتها في إعلان الحرب والسلم وأدخلوا الدولة ومؤسساتها في حرج سياسي ودبلوماسي، والدليل على انهم غير مدركين للكوارث التي يمكن ان يسببها البيان؛ أنهم وأتباعهم ومريديهم لازالوا يدافعون باستماتة عن البيان وأفكاره لأنهم غير قادرين على قراءة المصطلحات النقدية التي وجهت للبيان لأنها كتبت بلغة لا يفهمونها وتنتمي الى ثقافة لا علاقة لهم بها، فهم أسرى لثقافة أوهمتهم انهم شركاء في السلطة الأمر الذي يجيز لهم الافتئات عليها وممارسة جزء من صلاحياتها لأنهم -على حد زعمهم- يمثلون الاسلام الذي يحتكرون قراءته واستخدامه دون غيرهم ويتترسون به ضد مخالفيهم، فكل من ينتقد بيانهم الذي هو في النهاية رأي بشري فهو بالضرورة ينتقد قواطع الشريعة ومحكماتها ويقف في خانة العداء لله ورسوله ويمالي أهل الباطل وأعداء الأمة، وكل ذلك من أجل خلق حصانة لهم ولمناشطهم من أن يتجرأ الناس عليها ويكتشفوا زيفهم. وستستمر تلك التكتلات الاحتسابية الحركية من ممارسة ذلك الشغب ما لم يكن للقانون وقفة حازمة منها حتى لا يصلوا إلى حلمهم الأبدي بخلق مسارات سياسية موازية للدولة وسياستها الخارجية القائمة على الوقائع لا عواطف المحتسبين.

مشاركة :