في كل مناسبة سعيدة كالعيدين، ومطلع العام الجديد، لابد لنا من تذكّر الأحبة من الأقارب والأصدقاء، وأصبح الواحد منّا يلجأ إلى الجوّال، ليستعرض قائمة الأسماء التي فيها، ليختار منها أحبابه وأقرباءه، بعد أن كان اختار رسالة تهنئة رقيقة، لتُرسل لهم بضغطة زر واحدة، واستغنينا بذلك عمّا كنّا ندأب عليه قبل سنوات خلت، من طرق أبواب الأقرباء والأحبة للتهنئة. وليس حديثي اليوم عن تلك العادات الجميلة في حبيبتنا مكة في السابق، ولا ما تحوّلنا إليه باستخدام التكنولوجيا في اللاحق، بل هو حديث عن شعور ينتاب كل فرد منّا، خصوصًا نحن -مناهزي الستين- أو مَن تعدّوها، حين يمر علينا في كل مناسبة سعيدة أسماء مازالت موجودة في جوالاتنا، ولكن أصحابها ما عادوا موجودين في دنيانا الفانية، وأكاد أُجزم أن كل فرد منّا يفقد عددًا ذا بال في كل مناسبة، سواء كان مهنئًا برمضان أو العيدين، أو العام الهجري الجديد، ولعلها فرصة سانحة للتأمل والتدبر، فسوانا من خلق الله قضوا أمس، وقد نقضي بعدهم اليوم أو غدًا، ومع استحضار حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أعمار أمتي بين الستين والسبعين»، إلاّ أن من يقضون نحبهم في هذه المناسبات لا ينبغي أن يكونوا بين الستين والسبعين بالضرورة، ففي عصر السرعة كم نفقد من شبابنا اليافعين، وفي عصر المأكولات المعلبة والمحفوظة والجاهزة، كما يتوفى صغار السن بغتة بسكتة، وفي عصر التلوث، كم تُزهق أرواح بذات الرئة، وسواها. وأحمد الله تعالى أن كثيرًا من أبناء وبنات هذه البلاد يستحضرون فحوى هذا الحديث، زرت أخًا من رجال الأعمال بصحبة أخ آخر من رجال الأعمال الذي عرض عليه مشروعًا كبيرًا يدر أرباحًا هائلة، وذكر له أنه خصّه بهذا المشروع دون سواه من رجال الأعمال، فما كان منه إلاّ أن أخبرنا أن استثماراته تغيَّر مجالها هذه الأيام بعد أن تجاوز هو وامرأته الستين، وذكر لنا الحديث الشريف، وقال إنني أعمل اليوم لما بعد الموت، وأخبرنا أنه يكفل وامرأته مئات الأيتام، ليحثّنا على المضي في هذا السبيل المفضي إلى الجنة، وقد سررتُ أيما سرور لهذا التحوّل الحسن في مسيرة حياة هذا الأخ الكريم أن يختم حياته بالتفكير في أخراه. وسوى هذا الأخ كثير، وأعرف أسماء كثيرة من المتبرعين من خلال تعاوني مع هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، ممّن أدركوا أن هذه الدنيا إلى فناء، وأن الآخرة هي دار القرار فاجتهدوا في العمل لها، وما ضنوا بكل ما يمكن تقديمه لذوي الحاجة. ورمضان والحج والعام الجديد مواسم للخيرات، ومن يدري فقد يكون ما يُقدِّمه الأسخياء في بلادنا واحدًا من الأسباب لحفظها من كل شر، وتمتعها بالأمن والأمان. وأختم بدعوتي كل القراء الأعزاء ليستعرضوا قائمة الأسماء في جوالاتهم، ليذكّروا إخوة وأخوات كثرًا انتقلوا إلى رحمة الله، وذلك للعظة والعبرة بأننا جميعًا على الدرب نفسه سائرون، لنعمل لما بعد الموت، ولندعو لهذه الزمرة التي قضت في سنتنا هذه، وكل عام وأنتم بخير. Moraif@kau.edu.sa
مشاركة :