العربي وتفكيك الظواهر | محسن علي السُّهيمي

  • 10/14/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الموقف من الظواهر الطبيعية المتكاثرة على كوكبنا الأرضي وفي فضائنا اللامتناهي يأخذ مسارين متعاكسين في الاتجاه: المسار الأول، وُجد منذ أن دبَّت البشرية على وجه الأرض إلى يومنا هذا، وقد يمتد حتى فنائها، والمسار الآخر وُلد منذ أن أعمل الإنسان فكره وحلَّل الظواهر الطبيعية وأسباب نشوئها وتكوُّنها، فكان الحسن بن الهيثم وغيره من علماء المسلمين من أوائل من سلك هذا المسار، فخرج لنا بنظرياته المتعددة التي يأتي على رأسها نظريته في البصريات، وهي النظرية التي لم تأتِ إلا بعد جملة من الاحتمالات والفرضيات حول هذه الظاهرة التي كان بإمكانه أن يتقبَّلها بوصفها ظاهرة طبيعية يمكن الاكتفاء بتحصيل فوائدها دون البحث في أسبابها وظروف تكوُّنها. يتردد البعض في البحث في مكونات الظواهر والموجودات تحت حجج لا يسندها دليل أو برهان، ولذا تراهم يَقبَلون بالظاهرة كما هي، وكل ما يمكن أن يقوموا به تجاهها ينحصر في الإفادة منها في صورتها الراهنة حتى إذا ما تعطَّلت أو نفدت وقفوا حائرين غير قادرين على توليدها أو إيجاد بدائل مماثلة لها. طرحُ الأسئلة حول ظاهرة ما والبحث عن أصل تكونها وأجزائها التي تشكَّلت منها أمرٌ لا يُعدُّ محظورًا، وإلا لَمَا سأل سيدُنا إبراهيمُ عليه السلام ربَّه بقوله: «ربِّ أرني كيف تحيي الموتى»، وما كان للنهضة الحديثة أن تصل إلى ما وصلت إليه لولا ممارسة طرح الأسئلة وإيجاد الفرضيات والاحتمالات للوصول إلى الحقائق المغيَّبَة لأصل كل ظاهرة ومكوناتها ومن ثَم الإفادة منها بإطالة عمرها الافتراضي، أو باستنساخ ظواهر مماثلة لها، أو تحجيم الظاهرة نفسها. وبإسقاط المسارين السابقين على العَرَب والغَرْب نجد العَرَب سلكوا مسلك القبول بالظاهرة كما وجدوها مع الإفادة منها في شؤون حياتهم، أما الغَرْب فلم يقفوا عند حدود الإفادة من الظاهرة بل تخطوا ذلك إلى البحث في أصول تكونها، ولذا يقول المفكر (مالك بن نبي) في كتابه (الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة): «ينبغي أن نفهم الفرق الشاسع بين موقفين: موقف من يريد من الماء شيئًا تتطلبه تغذية جسمه حينما يعطش، وحاجة ترابه حينما يزرع، وموقف من يريد زيادةً على ذلك أن يعرف ما هو الماء بوصفه (ماءً)؟ ومن أي العناصر يتركب؟ وتحت أي الشروط يتم تركيبه؟ فالفرق بيِّن بين موقفين: موقف من يتعلم تلقائيًّا كيف يتصرف بالشيء في حاجته مثل الماء، وبين موقف من يحاول أن يتصرف في الشيء ليس طِبقًا لحاجاته فحسب بل أبعد من حاجاته البسيطة». من هذا يتضح البون الشاسع بين قبول العَرَبي بالظاهرة وبين تخطي الغَرْبي ذلك إلى تفكيكها، وهو مؤشر صارخ يُظهر المسافة الفاصلة بين وعي وتقدم أمة ومثيلاتها. Mashr-26@hotmail.com Mashr-26@hotmail.com

مشاركة :