من يُرد أن يرى نموذجا فجا فاقعا للبيروقراطية وتعقّد المسارات الإدارية، وضبابية المهام، فليتأمل الخبر الذي نشرته جريدة الحياة الأسبوع الماضي، حول رفض وزارة الشؤون الاجتماعية أن تتعاون مع وزارة التربية والتعليم في إنشاء الحضانات الخاصة بأطفال الموظفات! وهو الخبر الذي نفته وكذبته وزارة الشؤون الاجتماعية جملة وتفصيلا في اليوم اللاحق، حيث أشارت إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية قد سبق وأن رفعت خطابا إلى الجهات المختصة (لم يوضحها الخبر) لدعم الحضانات، وأن هناك لجانا مشتركة بين وزارتي التعليم والشؤون الاجتماعية تسعى لنقل مهمات وتراخيص الحضانات والإشراف عليها إلى وزارة التعليم. وإذا عرفنا أن منسوبي وزارة التعليم يمررون اتهامات خفية بأن الشؤون هي المسؤولة، جميع هذا يجعلنا نخمن أن القرار قد تحول إلى كرة مضرب بين وزارتين ولجانهما، مكبلا بالتوصيات ومعرقلا بالأنظمة والعنتريات من الطرفين، بينما القرار نفسه يلفظ أنفاسه الأخيرة. الحقوق الخاصة بالمرأة في نظام العمل السعودي الصادرة بمرسوم ملكي 51/ م وتاريخ 1426 ه في المادة 9 تنص (على كل صاحب عمل يشغل 50 عاملة فأكثر، أن يوفر مكانا مناسبا يتوفر فيه العدد الكافي من المربيات، لرعاية أطفال العاملات، الذين تقل أعمارهم عن ست سنوات، وذلك إذا بلغ عدد الأطفال 10 فأكثر، ويجوز للوزير أن يلزم صاحب منشأة يعمل فيها 100 موظفة وأكثر بأن ينشئ حضانة بنفسه أو بالتعاون مع أصحاب عمل آخرين.) إذاً هنا الوزير يستطيع أن يلزم صاحب المنشأة بتأسيس حضانة لأبناء الموظفات لكن من الذي يستطيع أن يلزم الوزير؟ عشر سنوات مرت على صدور المرسوم الملكي دون أن يتحول إلى حقيقة ملموسة تنعكس على المواطنة ايجابيا، وما برح في مرحلة اللجان! وجميعنا يعرف بأننا نعاني مشكلة حقيقية في الثقافة الإدارية وانسيابيتها وتحقيقها للأهداف، فأذكر عندما كنت أعمل في الجهاز المركزي لوزارة التعليم، في زمن نورة الفايز، كان قرار الحضانات يدور ويلف ويلعب استغماية حيث يختبئ شهورا ودهورا، ومن ثم يعود ويبرز فجأة ويصبح مركزا للجدل والشد والجذب ومن ثم يعود ليختفي، ويبدو أنه إلى الآن يستطيب لعبة.. الاستغماية، مع توسيع دائرة اللعبة لتشمل المزيد من الوزارات. ما طبيعة العقبات التي تمنع قرارا جوهريا وحيويا في حياة الموظفة (قد انتهت منه شعوب الأرض منذ أمد طويل) من الوصول إلى حيز التنفيذ؟ - هل هو ترهل في الطاقم التنفيذي وازدحامه بالكم من الكوادر على حساب الخبرات والمواهب والطفرات الإبداعية التي تحدث فرقا؟ - هل بعد المرأة عن مواضع القرار كرس الاستهانة بحاجاتها الفطرية كامرأة عاملة وأم في نفس الوقت؟ - هل هو غياب الخطط الإستراتيجية والأنظمة الإدارية الحديثة القادرة على تحويل القرار إلى واقع يخضع لشروط الجودة النوعية والاستثمار في الإنسان؟ - هل هو الالتزام بحرفية القرار على حساب جوهره بشكل يفرغه من هدفه الذي هو خدمة المواطن، ليتحول بدلا من هذا إلى عقبة كأداء في طريق مصالحه؟ - أخيرا سؤال ملح لا أستطيع أن أتجاوزه هل الوقت له قيمة داخل مؤسستنا البيروقراطية؟ هي مجرد أسئلة موجعة لا أعتقد أنني أمتلك لها جواباً. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net
مشاركة :