السؤال - أميمة الخميس

  • 8/15/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أثناء دخول هذه الزاوية في حالة كمون صيفي مرّ الوطن بحادثتين مرعبتين، الأولى حادثة فتى الحائر الذي قتل قريبه استجابة لتعليمات خليته، والثانية حادثة طوارئ عسير، وكلتا الحادثتين وإن كانتا تنبعان من مصب واحد إلا أن مصبهما شاسع والفئة المستهدفة غامضة وممتدة. اختليت وقتها بفجيعتي بصمت لاسيما أنه لم يكن مطلوباً مني أن أحوّلها إلى مادة الأفكار والكلمات، ولأن أحياناً الكلمات تتفلت والتعبير يخون والأمر يتسع على حشره في قوالب اللغة، لذتُ وقتها بجلال الصمت لأنني لن أبدأ العبث في الأدراج القديمة بحثاً عن نثار أفكار تفسيرات، وصف أصابع الاتهام.. التي تطيش هنا وهناك، وفي النهاية سنجد الكثير من الإنشاء العاطفي والقليل جداً من التحليل العلمي ومزيداً من ركام المقالات المناسباتية التي نزركش بها الصحف والتي ينتهي مفعولها بصدور عدد اليوم التالي. لكن أعتقد أننا الآن أشرفنا على مرحلة من المواجهة التي تحتم علينا مقاربة ظاهرة الإرهاب بطريقة علمية فقط، وأن نفسح للعلم طريقه، فنحن نبدو كقرية نائية ضربها وباء وحصد الكثير (وسيحصد) ولكنها مابرحت تصر على أن تهرع بالمرضى إلى عراف القرية لا لشيء بل لأن جموعها وجماهيرها اعتادت أن بين يديه جميع الحلول الناجعة، بينما الطبيب بأدواته المختبرية من أمصال مضادة، وتحصينات، وأدوات قياس تحليل، ومضادات حيوية، مابرح يقف على أعتاب القرية ينتظر الضوء الأخضر كي يسمح له بالدخول.. ولم يسمح!! لأن دخوله قد يسبب الكثير من الحرج لسكان القرية وعلاقتهم مع عرافهم. تردد كثيراً أن الإرهاب ليس بشأن أمني والشق الأمني منه هو محض جزء صغير من جسد يتكون ويمتد ويتغذى من ثقافة عميقة يصب بها التاريخ والجغرافيا وجماهيرية داعمة أو مسوغة. بل إن جزءاً من مأزقنا معه هي الحلول المسكنة المؤجلة، وحتى لو تجاوزناها إلى الحلول الصارمة الباترة فهي لن تفضي بنا إلى حل بل إلى مزيد من الاحتقان، مالم نسلم الملف للطبيب.. ليقاربه عبر أدواته العلمية، فسنظل قابعين خارج الدائرة الإنسانية في العصر الحديث، متقهقرين باتجاه عصور البدائية والتوحش التي تسبق تأسيس الحضارات والمدنيات المستقرة. جامعاتنا الثماني والعشرون، ومراكز البحوث، ومؤسسات الاستطلاع لدينا ماذا صنعت إزاء هذه الظاهرة؟ هل هناك دعم معنوي ومادي لباقات الأكاديميين المختصين الوطنيين ليتم مقاربتها بتجرد علمي خالٍ من الأدلجة بأسقف مرتفعة وشفافية؟ أيضاً ماعلاقة هذه البحوث وقربها من مواطن صناعة القرار؟ المنتج الإرهابي الداخلي خاص بنا وأفراده أبناء جلدتنا لا نريد هنا أن نتعرض للشق الدولي وطبيعة المرحلة التي ساهمت في تأجيج الظاهرة واستثمارها لمصلحتها طالما أن الوباء متفشٍ داخلياً. هل نوقش الإرهاب وعلاقته بالخطاب المعاصر للجهاد مابين دفع وطلب؟ هل تم تفكيكه كحالة إجرامية تتضمن تهديد الوحدة الوطنية، وتدمير العقد الاجتماعي وخلق الفوضي وتعطيل المصالح العامة والإفساد في الأرض؟ ولأن جميع ماسبق يدخل في باب التخمينات والتوقعات، وتغيب عنه الشروط العلمية لبحث الظاهرة.. فسأتوقف هنا.. ولكن السؤال مابرح ملحاً: لماذا لا نسلّم ملف الأرهاب إلى العلم إلى الآن؟ حتماً سيمتلك الكثير من الأجوبة الناجعة، حتى لو كان بعضها صادماً أو محرجاً. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net

مشاركة :