الكتاب من وحي الذاكرة | نبيلة حسني محجوب

  • 10/21/2015
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

(عندما يلاحقك هاجس الخلق ، وتقض مضاجعك آلام الإنسان .. حين تقع فريسة الغربة وأنت بين أهلك، حين تسافر دون أن تغادر مكانك، حين تزورك الشمس في يوم غائم، فاعلم أن حادثاً جللاً واقع لا محالة وأن وليداً غضاً على وشك أن يرى النور ) اقرأ/ اسلام خياط. ربما أصابتنا كل تلك الأعراض في نهدة المراهقة ، أو شرخ الشباب لكننا لم نكن نعرف أن هناك وليداً يتشكل وتتكون ملامحه على وشك البزوغ، لذلك تخبط معظمنا وتقلب بعيداً، وربما تاه بعضنا حتى نهاية العمر بالرغم من أن الكاتب الموهوب ( راصد كبير له أربعة عيون وأنف ضخم وأذن ثالثة وحاسة سادسة ولسان واحد لا يحتاج له إلا للضرورة القصوى). في مجتمعاتنا العربية ،لا بد من اللسان للكاتب بل هو ضرورة قصوى ، لأنهم يحولون الكتّاب إلى متحدثين في وسائل الإعلام والبرامج الحوارية ومحاضرين في الندوات والمؤتمرات. الكاتب تتدفق كلماته مع حركة القلم على فضاء الورقة، يبدع يتألق في ملعبه ومهبط وحيه ، عندما يفشل الكاتب في الحديث بنفس تألق كتابته ينهال عليه النقد والاستنكار: كيف يكتب وهو لا يقول جملة مفيدة أو ( لايجمِّع ) مثل يونس شلبي في مدرسة المشاغبين. لكن تظل الكتابة هي المتعة الحقيقية للكاتب، وبدون القراءة المتنوعة والعميقة لن يصبح كاتباً مهماً! القراءة كمسارب يفضي بعضها إلى بعض فهي تأخذك من كتاب إلى كتاب ومن فكرة إلى فكرة، فتتشكل الأفكار الفريدة والمبتكرة. يقول الشاعر أدونيس: (الفكرة انتقال وليست بدءاً مطلقاً، وأنها تبادل وتداخل، فللأفكار دائما بذور ما، والشاعر أو المفكر يضعها في نسق خاص به، يفككها يحللها يعارضها يبرزها يهملها ، لكنه يظل ضمن نسيجها، كأنه لا يخلق فكرة ، وإنما يخلق علاقة جديدة مختلفة بين الأفكار – بين الأشياء) 144 كلام البدايات. لم تكن القراءة متاحة، ولا مباحة لي على الأقل في ذلك الزمن عندما بدأت أتعرف على الكتب خارج الكتاب المدرسي، فكان الطريق إليها محفوفاً بالمخاطر؛ الحيلة وسيلتنا للقراءة ، ليصفو لنا الجو ساعة بصحبة ديوان شعر لنزار قباني أو رواية لنجيب محفوظ أو إحسان عبد القدوس ، نخفيها في حقائبنا المدرسية، بعد أن نحصل عليها من الطالبات اللاتي كن يسافرن إلى مصر وبيروت في الإجازة المدرسية عندما كان صيفنا في ربوع الطائف هو وجهة السفر الوحيدة لمعظم المكيين. مرت سنوات العمر، وتساقطت عليها براءة الطفولة، وأحلام المراهقة، وهموم الأمومة، فلم تعد سوى ذكرى باهتة تطوف أحياناً وسط صخب المسؤوليات، والاهتمامات، والهموم ، فتزوي في ركن قصي كطفل يتيم في حفل صاخب! لم أكن أدرك أن عشقي للكتب والزوايا هو بدافع الرغبة في الكتابة، وقد أدركت -فيما بعد- أن هذه الحالة «العشق» هي النداهة التي قادتني للسقوط في فخ الكتابة، ومشاعر البهجة وأنا أتجول في معارض الكتب، لأنها تفتح مسارب الوعي، وتحفز على القراءة. ربما في البدايات هوس الاقتناء هو المسيطر، كما رأيت في معرض الرياض في بدايته، لكن العام الماضي رأيت جمهورا يبحث بوعي، ويدرك جيداً ما يريد اقتناءه. لابد أن تدرك الأجيال أهمية الكتاب، وفائدة القراءة (ما من كاتب إلا وكانت الكتب زاده وفاكهته وضوء ليله، كان الجاحظ ولعاً بالقراءة في صباه يبات في دكاكين الوراقين . هل كان الجاحظ سيؤلف ما يقرب من مائة وخمسين كتاباً لولم يكن قرأ أضعاف هذا العدد واطلع على كنوزها وخفاياها؟!) اسلام خياط. nabilamahjoob@yahoo.com nabilamahjoob@yahoo.com

مشاركة :