الأحداث المتلاحقة في عالمنا العربي أحدثت صراعًا وانقسامًا ليس فقط على مستوى العلاقات بين الأفراد، بل داخل الفرد ذاته، أو أن إنسان العصر يعيش صراعًا دائمًا بين العقل والعاطفة، قلبه يأخذه ذات اليمين، وعقله ذات الشمال، فبات مشتتًا لا يقر على حال! عادة تحدث الانقسامات على مختلف مستوياتها بين النخب المثقفة أو المسيّسة، لانتماءاتها الفكرية أو السياسية، وتُعبِّر في علاقاتها عن تلك الانتماءات، وهي واعية تمامًا لمصدر الخلاف، وتدرك حجم انقساماتها، كما هو وعيها بالأحداث الجارية على صفحة العالم، التي ربما تكون موضوع حوارها مع الآخر الذي يختلف معها جزئيًّا أو كليًّا، وهنا يحدث الانقسام، لكنه يظل محصورًا بين النخب، إلاَّ أن الثورات العربية أثارت الوعي لدى المواطن العربي بشكلٍ عام بواقعه وما يحدث حوله، فأصبح متابعًا وملمًّا ولو قليلًا بالأحداث من حوله. هذا "القليل" هو المشكلة، خصوصًا إذا كانت مصادره المعرفية "خاذلة " في كثير ممّا تمده به من أخبار أو تحليلات.. وإحساسه بأنه على صواب في لحظة الإدراك المباشر، مع أنه على خطأ نتيجة صراع العقل والعاطفة. مع تطور الأحداث تطور اهتمام الجميع، وعملت كثير من وسائل الإعلام على إحداث تشويش على مراكز الاستقبال لدى الأكثرية التي لا تعرف أكثر ممّا تتابعه في وسائل الإعلام أو ما يصلهم عبر وسائل الاتصال الحديثة، أي أن المواطن العربي أصبح منقسمًا على ذاته، عقله يُؤكِّد له حقيقة، لكن قلبه يشدّه بعيدًا كي لا يؤمن بما يشير له العقل. ولأن الجماعات "المتأسلمة" اتخذت لها رداءً عليه ماركة "إسلامي"، هذه الماركة الأصيلة ناصعة البياض؛ مُفضَّلة لدى المواطن المسلم، وتمس شغاف العاطفة الدينية الجيّاشة في وجدانه، فاقتنع البعض بتلك الجماعات وسار خلفها مغمض العينين، أو أنه أعطى عقله إجازة إجبارية كي يفسح لعاطفته الدينية الانفعال الانحيازي بالأحداث، كمن يريد تغطية الشمس بغربال، هؤلاء المنقسمون على أنفسهم يريدون أن يفعلوا بالحقائق، ويحثونك على أن تُصدِّق ما يقولون، أمّا إذا كانوا حقيقة غير مدركين لما خفي من عظيم تحت الثوب الأبيض، وكانوا على ثقة من خطئك رغم الحقائق، فتلك إشكالية الوعي، ومشكلة العاطفة الدينية التي تتشبث بوجهتها بإصرار وعناد، فلا ترى الصواب أبدًا حتى يلج الجمل سم الخياط. ولأن الأحداث الجارية الراهنة، هي مصر والإخوان، فهما الآن جوهر القضية، ليس في مصر، بل في عالمنا العربي، وفي مجتمعنا بشكلٍ خاص. في أي لقاء بين الأهل أو الأصدقاء أو في مناسبة -مهما كان دافعها- تسمع وترى هذا الانقسام حول الإخوان وأحقيّتهم في الحكم، لأن مرسي جاء عن طريق الصندوق! حسنًا، طوّل بالك، و30 مليون مصري خرجوا يوم 30 يونيو.. خرجوا ليه؟! يقولون بكل ثقة: أبدًا دول عشرات أو مئات، وتلك المشاهد خدع بصرية من بعض القنوات الفضائية. وهذا العنف والقتل والسحل للمواطنين، ورجال الشرطة، وجنود الأمن؟! يجيبون بكل ثقة: هذا العمل المرعب البشع اللاإنساني قامت به الشرطة والجيش! هنا، سكت الكلام! لا يُجدي أي حوار مع شخص بهذا المنطق! لابد أن نتوقف عن هذه الحوارات التي تُحدث الانقسامات داخل البيت الواحد! لأن هذا الذي لا يرى الحقيقة يعيش -ربما- صراعًا أو انقسامًا داخليًّا بين العقل والعاطفة. بين عقله الذي يُحاول أن يُثبت له الحقيقة التي يراها العالم، رغم التشويش الإخواني والإعلامي، إلاَّ أن عاطفته الدينية تأبى عليه الانقياد للعقل، مع أن الإسلام دين العقل، وحرّضنا على التفكُّر والتعقُّل والنظر بعين العقل، لا عين العاطفة، كي يكتمل الإدراك السليم في لحظة الإدراك المباشر. صحيح خاطب ملكات الإدراك في الإنسان "الإحساس والوجدان والفكر"، لكنه أكد على العقل (أفلا تعقلون، أفلا تبصرون -وهي البصيرة-).. (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور) الحج: 46. هذا بالنسبة للشأن المصري؛ لأنه -حسبما صوَّرت لهم عواطفهم- يعتبر صراعًا ضد الإسلام، حتى المنتمين لنفس التيار، لابد أنهم فعلًا أعطوا عقلهم إجازة، وأجَّجوا عواطفهم للدفاع بمثل تلك الاستماتة عن الإخوان "المجرمين"، لأننا نأثم إن أطلقنا عليهم "مسلمين" بعد كل هذه الأحداث الدموية، وتلك المجازر الإنسانية. بالنسبة للشأن السوري يبدو أنه لا خلاف، ولا اختلاف، ولا صراع، فالجميع مقتنعون بضرورة إزاحة بشار، حتى لو كان هناك اختلاف في بعض التفاصيل، فهو لا يصل إلى حد الخلاف أو الانقسام، ربما لأن الدين ليس طرفًا في هذا الشأن! أمّا في الشأن الداخلي، فتَجرّأ واطرح موضوع قيادة المرأة للسيارة، وانظر ماذا يُحدث هذا الموضوع، أمَّا الموضوع الأخطر فهو الحديث عن إغلاق المحلات وقت الصلاة، وطرح فكرة، أو رأي لتنظيم الأمر، بحيث لا يحدث هذا الإغلاق بهذا الشكل، وأنت مسلم وتصلي، لكن طرحك لهذه الفكرة ربما يُخرجك -في رأي البعض- من دائرة الإسلام، وتُنعت بشتّى النعوت.. فتأكّد من وجهة عقلك من فضلك قبل الخوض في أي موضوع! nabilamahjoob@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (27) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :