مرة أخرى، يعود الدم الفلسطيني ليروي الأرض. مرة أخرى يعود الشباب الفلسطيني إلى الشارع لمقارعة قوات الاحتلال اليهودي بالحجارة ويسقطون شهداء. أكثر من ستين عامًا مرت على نكبة فلسطين وهم ينتظرون من هذا العالم اللامبالي والمتآمر أن ينصفهم. لكن صيحاتهم ذهبت أدراج الرياح. دماؤهم سالت، على أيدي عدوهم مرة، وعلى أيدي بعض الأنظمة، ومنها النظام السوري مرات كثيرة. في مخيمات اللجوء والشتات ظلوا يحملون مفتاح البيت المسروق ويحلمون بالعودة إليه. في الشتات ظلوا مهانين ومطاردين، وفي بعض الدول يحرم عليهم حتى ممارسة مهنة جمع القمامة. كثيرة كانت القرارات الدولية، وكثيرة كانت الفيتوهات الأميركية الحامية للدولة اليهودية، وكثيرة كانت المؤتمرات والمصافحات وتبادل القبلات، وكثيرة كانت الوعود، وظل الفلسطينيون ينتظرون حلم العودة أن يتحقق. أجيال ماتت وأجيال جاءت إلى الحياة والحلم لا يزال بعيدًا. عدو جمع أشلاءه من جميع أنحاء العالم. الذين اضطهدوا اليهود هم الذين أعطوهم الوعد بأن فلسطين لهم. هم صدّقوا الأساطير وجاءوا إلى فلسطين ليعيدوا بناء هيكلهم المزعوم على أنقاض أقصانا. من أوروبا وأميركا والهند واليمن والعراق وإيران وروسيا والحبشة ومن كل مكان جاءوا ليبنوا أمجادهم على جماجم الفلسطينيين. على تلال تلك الأرض التي روى فيها الصحابة والمسلمون ترابها بدمائهم، ربما أكثر من أي بقعة في الأرض، بنوا مستوطناتهم ودنسوا ترابها بقذاراتهم. هؤلاء الدنس والأوغاد يتكاثرون بالحقد والكراهية على حساب شعب يقتل أبناؤه كل يوم بدم بارد، وتدمر بيوتهم ويحرمون من أداء صلاتهم. دولة حكمها ويحكمها "قادة" هم الأكذب في التاريخ. قادة يستمتعون برؤية الدم الفلسطيني وهو يسفك، وبرؤية الأطفال وهم يتباكون ويستصرخون ضمير العالم وشهامة الامم المفقودة. بالزغاريد تستقبل الأمهات الفلسطينيات فلذات أكبادهن الشهداء. يجن اليهود عندما يرون ذلك ويجنون أكثر عندما يعلو شعار الله أكبر. إيران التي وعدت بإزالة إسرائيل من على الخارطة تحارب معركة بقاء مع إسرائيل في سورية، هكذا بدت حكومة إسرائيل مطمئنة وآمنة. وهكذا ظل اليهود يدوسون قدسية المسجد الأقصى كل يوم ويتساءلون: لماذا يكرهوننا؟ ما الذي بقي للفلسطينيين المقتلعين والمشردين والمضطهدين والمسجونين والمخنوقين من القريب والبعيد ليخسروه؟ كيف يمكن لفلسطيني أن يحلم بمستقبل وسط هذا البؤس؟ لماذا عليه أن يترك باب بيته مفتوحًا، هذا إن ظل له بيت، حتى يدخله اليهود اللصوص متى يشاؤون وكيف يشاؤون؟ أين وعود أوباما واللجنة الرباعية الدولية بحل الدولتين؟ ما الذي حققته اتفاقات أوسلو المشؤومة والمفاوضات العبثية؟ حجر ومقلاع وإطارات محروقة ووجوه ملثمة وصدور عارية وزغاريد الأمهات الثكلى في وجه رصاص اليهود. ما الذي يمكن لهذا الشعب أن يفعله سوى أن يرمى حجرًا في مياه هذا العالم الآسن؟ حجر! هذا كل ما لديهم، لكنه حجر يصنع المجد!
مشاركة :