هل وافق المبدع الراحل على نشر هذه الرواية أو القصيدة، أم أنها أقل مما كان يحلم به، ولهذا لم يسمح بطبعها في حياته؟. مثلاً كان لعبد الحليم حافظ أغاني قدمها في عدد من المناسبات الخاصة لأصدقائه في الخليج، ولم يكن يسعى لنشرها في حياته، بعد رحيله عام 77 بدأنا نتابع بعضها وهي تحمل صفة أغان (مجهولة)، هل كانت مجهولة أم متجاهلة، إنها قطعاً ليست كنوزاً، ولكن كان عبد الحليم عامدا متعمدا لا يسمح بطبعها على أشرطة، مثلما كان يمنع تداول نحو 30 أغنية سجلها في الإذاعة المصرية قبل مرحلة الشهرة، وتم الإفراج عنها تباعاً، واكتشفنا بالفعل أن لعبد الحليم وجهة نظر صائبة في التعتيم عليها، سبق مثلاً لحليم أن سجل أغنية محمد قنديل الشهيرة (يا رايحين الغورية) بدون علم ملحنها كمال الطويل. إلا أنه أيقن أن الغورية بصوت قنديل هى الأجمل، فكان يحرص بما لديه من نفوذ على الإعلام بعدم تسريبها على الخريطة، بعض ألحان الموسيقار محمد الموجي تم العثور عليها، وحرص ابناه الموجى الصغير ويحيى الموجي على تداولها، لأنهما كانا موقنين أنه طرحها للتداول، هناك أعمال فنية أخرى من الممكن أن نطلق عليها في مرحلة (الشخبطة) أو (التشطيب)، هذه قطعاً لا يسمح لها بالخروج للعلن، فهي مبتسرة، قد ينتهى المبدع من العمل وهو راض عنه، ولكن لسبب أو لآخر يحتفظ به، في هذه الحالة فقط على الورثة تقع مسؤولية مضاعفة الجهود للنشر. مع آخر ديوان للشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش (لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي).. اكتشفوا أخطاء في علم العروض - التفعيلات - وأخطاء لغوية، وبالطبع درويش أحد أهم علامات الشعر ولا يمكن أن يخطئ أبدًا في هذه البديهيات، ولكنه كان ربما في مرحلة (الشخبطة)!!. الفنان عادة يكتب عمله الفني بتلقائية، يسارع بأن يلاحق ومضاته، قد يخطئ في وزن وقافية أو تتابع، وتأتى بعد ذلك النظرة المتفحصة والتى يطلقون عليها الباردة. الفنان أثناء تدفق الإلهام يعيش لحظة ساخنة يريد أن يُمسك بالمعانى والكلمات قبل أن تفلت منه، وبعد أن يوثقها على الورق فإن عليه أن يبتعد عنها حتى تهدأ مشاعره ويبرد انفعاله ليتأمل بحياد ما انتهى إليه، ليس بالضرورة أن آخر ما يكتبه الفنان هو أفضل ما لديه، الزمن بقدر ما يضيف من خبرة فإنه على الجانب الآخر قد يخصم بكارة وطزاجة الإبداع. أيقونة السينما شادي عبد السلام صاحب الفيلم الرائع «المومياء» عثروا قبل عشر سنوات على فيلمين تسجيليين لم يكملهما، وعرضا فى مهرجان (الإسماعيلية) بإشراف عدد من أخلص تلاميذه، افتقدنا فى الفيلمين سحر شادي. الموسيقار محمد عبد الوهاب لم يكمل لحن قصيدة (في عينيك عنوانى) التى كتبها فاروق جويدة وأكملها الموجى محاولًا أن يستحضر روح عبد الوهاب، وغنتها سمية القيصر، فجاءت لحنًا وهابيًا زائفًا. حاول بليغ حمدى أن يستكمل لحنا تركه فريد الأطرش (كلمة عتاب) غناء وردة، تقمص روح فريد فلم نسمع لا فريد ولا بليغ وضاعت وردة. عندما أراجع أغلب ما حدث شعريًا وموسيقيًا وسينمائيًا وتشكيلياً أجدني أميل إلى الرأى القائل بأن الإبداع الناقص يظل مكانه المراكز الفنية المتخصصة، بعيدا عن التداول، حتى لو توافرت النوايا الصادقة. [email protected] المقال: نقلاً عن (المصري اليوم).
مشاركة :