الحيتان لم تكن تمشي على الأرض

  • 10/28/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يعد الحوت من أضخم المخلوقات على وجه الأرض، وينتمي إلى مجموعة الثدييات البحرية التي تشمل الحيتان والدلافين أيضاً، وتقسم الحيتان إلى قسمين: حيتان مفترسة لها أسنان حادة تعمل على اصطياد الفرائس، وأخرى مسالمة تتغذى على العوالق البحرية. وجسم الحوت مغطى بطبقة دهن سميكة تعمل كمادة عازلة للحفاظ على حرارة جسمه، وله أطراف أمامية تسمى الزعانف تعمل كمجاديف لمساعدته على الحركة، ولا يوجد له أطراف خلفية ويوجد عظمتان صغيرتان تعتبران بمثابة أطراف خلفية. وتتنفس الحيتان عن طريق الرئتين، وحاسة الرؤية عند الحيتان ضعيفة وحاسة الشم ضعيفة جداً ويتمتع بحاسة سمع قوية جداً. والهيكل العظمي مكون من مواد إسفنجية ونسبة النخاع الدهني فيها عالية، لذلك فإن هذه العظام الدهنية تتميز بوزن خفيف، ما يجعل حركتها أكثر سهولة وانسيابية. الحقيقة أن الهيكل العظمي للحوت الذي يبدو كبيراً، وعائماً وربما ضائعاً تحت هذه الكتلة اللحمية الضخمة، ربما يثير غرابة البعض ويرى أن لا فائدة واضحة منه في مكانه هذا في أحشاء الحوت، لكن عليه أن يعلم أن هذا الهيكل هو عجيبة من العجائب الحقيقية في عالم الحيوانات البرية والبحرية. وهناك نظرية وضعها عالم تطور الأجناس داروين تقول إنه منذ 60 مليون سنة، كان هذا المخلوق الأنيس يسير على أربع قوائم، وأن العظام الموجودة فيه ما هي إلا بقايا كبيرة من عظم الفخذ أو الشكل المنحني للحوض. وأن الحيتان اليوم، لم تعد تحتاج إلى تلك القوائم الطويلة لأنها تطورت مع الوقت بعد أن قضت معظم وقتها في البيئة المائية، وبالتالي فإن عظام أرجلها الخلفية تقلصت إلى حد كبير حتى اختفت تقريباً. ولكن بعد ذلك، لماذا احتفظت الحيتان بهذه البقايا من ذلك الماضي وتوقفت عند هذا الحد من التطور؟ يقول البعض بكل بساطة لأنها لا تزال تستخدمها حتى اليوم، خصوصاً أنها تقوم بشيء أساسي يتعلق في الواقع بمسألة الحياة أو الموت بالنسبة لها، فمن دون هذه العظام البسيطة المتطورة التي ربما لا يتجاوز طولها بضعة سنتيمترات لن تعرف الحيتان حياة تكاثرية تمكنها من الإبقاء على جنسها. يقول جيمس دينس، من متحف التاريخ الطبيعي في مقاطعة لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، إن المنافسة الرومانسية بين ذكور بعض الأنواع، للوصول إلى الإناث تبدو شرسة بحيث كان لها تأثير في تطور شكل أعضائها الحيوية وحجمها. وفي الأصل، أراد دينس وزملاؤه دراسة السلوك الإنجابي للأنواع المختلفة من الثدييات البحرية، لكن التحدي الحقيقي هو أن الحياة التكاثرية للثدييات البحرية لا تزال تكتنفها أسرار كبيرة، لأن ثمة عدداً قليلاً جداً من المشاهدات العيانية المباشرة عليها، كما يقول روبرت ميشو، رئيس مجموعة للبحوث والتعليم على الثدييات البحرية في كيبيك بكندا، الذي يضيف أنه حتى وقت قريب، كانت الحياة التكاثرية لبعض الأنواع معروفة فقط من خلال جيفها الموجودة على الشاطئ، لأنه لم يسبق أن شوهدت في البحر. ولكن قبل الخوض في تطور هذه الحيوانات، لا بد لنا من العودة إلى مسألة تطور الحيتان نفسها إن كانت تطورت فعلاً من حيوانات ثديية. ففي سنة 1859 كان لداروين توضيحات، بشكل نظري، عن كيفية نشوء الحيتان الحالية، إذ يرى أنّ أصل الحيتان والدلافين يرجع إلى ثدييات اليابسة التي كانت تحصل على معظم غذائها من الوسط المائي لذلك تكيّفت تلك الثدييات مع ذلك الوسط الجديد. وكان العالم لامارك يعتقد عكس ذلك فكان يرى أن أصل ثدييات اليابسة يرجع إلى ثدييات الماء. وضرب داروين مثالاً على ذلك من الدبّ الأسود، فكان هناك زميل له رآه في قارة أمريكا الشمالية يسبح في بركة ماء بشكل متواصل لساعات عدة من دون توقف من أجل اصطياد الحشرات. وقال هذا الشخص إنه إذا استمر هذا الدبّ، أو أي من حيوان ثديي آخر، معظم وقته بالبحث ولأجيال عدة جداً عن الغذاء في الماء فإنه سيتكيف ويتصرف مثل الحيوانات المائية وبشكل تدريجي وسيبدأ جسمه بالتكيّف (التغيّر) من أجل السباحة والغطس وبعد مدة طويلة يمكن أن تصل إلى ملايين السنين، سيظهر لدينا حيوان على شاكلة الحيتان أو كلاب البحر. وهذا يعني بكل بساطة أن لا مشكلة عند داروين بأن يتحول حيوان بحجم الدب إلى حوت ضخم بطول 33 متراً ووزن 150 طناً. ويقول روبير ميشو: نظرية التطور هي قصة خيالية للكبار تأخذ شكل سيناريو غير علمي وغير منطقي أبداً، يفترض أن المادة التي تفتقر إلى الحياة يمكنها أن تملك قوة سحرية وذكاء يجعلها تخلق كائنات حية معقدة التركيب. وهذه القصة الطويلة فيها بعض جوانب التلفيق والهراء المثيرة حول بعض الأمور كتلك المتعلقة بتطور الحوت من الدب. والتي نُشرت في مجلة ناشيونال جيوغرافيك التي تعتبر واحدة من أكثر المطبوعات العلمية شهرة وجدية في العالم. ولكن بغض النظر عن عدم وجود أي سند علمي يقوي ما ذُكر آنفاً، فإن مثل هذا التحول مخالفٌ لأبسط قواعد الطبيعة وهو هراء يدل على مدى مستوى الكذب والتلفيق الذي وصلت إليه المطبوعات الجادة ظاهرياً والتي تساند نظرية التطور، التي أصبحت غير مقبولة لكثير من علماء اليوم. ومن إحدى الأضاليل الأخرى القول إن أصل الحيوانات الثديية؛ يرجع لأحد الزواحف التي عاشت قديماً ولكن بمجرد شرح تفاصيل هذا التحول المزعوم تظهر لنا القصص الغريبة. فبحسب هذا التحول، شرعت بعض الزواحف التي عاشت في المناطق الباردة إلى تطوير أسلوب يحافظ على حرارة جسمها وذلك بالتقليل من القشور التي تغطي جسمها، ولذا كانت حرارتها ترتفع في الجو البارد وينخفض بالتالي مستوى الفقد الحراري لكن العجيب أن يقال إن هذه القشور تحولت إلى فرو، كما كان إفراز العرق وسيلة أخرى لتنظيم درجة حرارة الجسم وهي وسيلة لتبريد الجسم عند الضرورة عن طريق تبخر المياه. وما حدث بالصدفة أيضاً، حسب قول هؤلاء، أن صغار هذه الزواحف بدأت تلعق عرق الأم لترطيب نفسها وبدأت بعض الغدد في إفراز عرق أكثر كثافة ليتحول في النهاية إلى لبن، ولذلك حظيت هذه الصغار ببداية أفضل لحياتها. إن فكرة تحول اللبن الذي يعتبر غذاءً معقداً من الغدد التي تفرز العرق، لا شك أنها نتائج غريبة لخيال أصحاب نظرية التطور الذي لا يمت بأي صلة إلى العلم والمنطق. ويُرجَّح بُناء على كثير من خصائص الجسم في الحيتان أنها حيوانات وثيقة الصلة بالثدييات ذوات الحوافر، خصوصاً المشقوقة الحافر، مثل الأبقار والغزلان. وتدل أقدم أحافير الحيتان التي اكتشفت على أنها عاشت منذُ نحو 45 مليون سنة. وعلى الرغم من ذلك، فإن العلماء يعتقدون أن الحيتان وُجدت منذ أكثر من 70 مليون سنة. وتشبه الحيتان في خصائص الجسم الثدييات الأخرى، ولكنها تتمتع بكثير من الخصائص التي تناسب المعيشة في الماء، كما أن معيشتها في الماء أكسبتها أحجاماً كبيرة. فالحيوان الأرضي يمكنه النمو إلى الحجم الذي يمكن أن تحمله عظامه وعضلاته، أما الحوت، فيخفف حمل الماء له من وزن الجسم، ومن ثم يساعده على الوصول إلى أوزان أكبر بكثير من أي حيوان أرضي. مغالطات المنهج التطوري من الأسئلة البديهية التي تتعلق بمسألة الأحافير كدليل على السلف المشترك للحيتان مع حيوانات اليابسة، هي أنه لو افترضنا أننا وجدنا أحفورة لكائن ما، فهي ستكون الحقيقة الوحيدة التى نستطيع تأكيدها على وجه اليقين من خلال رصد هذه الأحفورة أنها كانت لكائن حي مات ودفن في هذا المكان لنجد فيما بعد آثاره. وفيما عدا ذلك لا توجد أي وسيلة لأي من العلماء تؤكد يقينا أن العظام التي وجدت مدفونة لكائن ما تمثل سلفاً أو جداً لأي كائن حي آخر بمجرد رصد بعض التشابهات بينهما، لأنه فضلاً عن استحالة تأكيد حقيقة السلف المزعوم عملياً، فإن التشابهات المورفولوجية، التشريحية والهيكلية، التي يستند اليها في تأكيد مدى قرابة الأحافير لا تدل حتماً على أي قرابة مزعومة، وهذه الإشكالية يدركها أنصار التطور جيداً وإلا لأصبح الذئب الأسترالي الجرابي قريباً من الدرجة الأولى لنظيره الذئب الرمادي المشيمي، وفقاً لهذا التطابق المذهل في الهيكل العظمى والمورفولوجية العامة. لكن الحقيقة أن الذئب الرمادي أقرب من الناحية التطورية، إن شئنا القول، للفيل وللأرنب وللإنسان من الذئب الجرابي، الذي يعتبر هو الآخر أكثر قرابة للكنغر والكوالا والسنجاب الأسترالي الطائر، عن مدى قرابته بالذئب الرمادي التوأم التشريحي، وذلك وفقاً لما رسمته شجرة التطور، إذ افترضت انفصالاً تطورياً بين أسلاف كل من الجرابيات والمشيميات في فجر نشوء الثدييات منذ نحو 160 مليون سنة مضت. وتكرر رصد مثل هذه التوائم المورفولوجية بين الجرابيات والمشيميات بنسبة كبيرة جداً مقارنة بعدد الجرابيات المعدود على سطح كوكبنا. وتلك التوائم المتماثلة التي لا يمكن ربطها بسلف مشترك بمعايير التطور لم تقتصر على فئتي الجرابيات والمشيميات فحسب، بل تم رصدها على كل المستويات التصنيفية داخل الممالك الأحيائية، ورصدت أيضا تشابهات بالغة التعقيد على النطاق الجزيئي كما تم رصدها على النطاق المورفولوجي. وثمة أمثلة كثيرة مدهشة ومتنوعة من التماثل المعارض لشجرة التطور تشمل جميع المستويات التصنيفية، مورفولوجياً وجزيئياً، كانت إزاءها ردة فعل أنصار التطور في مقابل تلك الإشكالية، بأن نقض الكثيرون منهم ممن واتتهم الجرأة المبدأ التطوري. ونخلص من التفصيل السابق بوضع إسقاط مباشر على السجل الأحفوري ومدى صلاحيته كدليل على الأسلاف المشتركة المزعومة وترسيخ حقيقة مهمة وعامة تشمل كل الأمثلة التي يستخدم فيها سجل الأحافير كدلالة تطورية، وهي إن التشابه المورفولوجي البنيوي الذي تظهره بعض العظام الأحفورية مع عظام كائنات أخرى سواء كانت حية أو منقرضة لا يمكن تصديره كدلالة على صلة قرابة حتمية أو حدوث أي تطور مزعوم من سلف قديم بسبب وجود تشابهات شديدة بين عظام كائنات حية. رسوم مضللة فى عام 1983 أثار فيليب غنغريتش ضجة إعلامية بزعمه اكتشاف أحفورة لأحد الأسلاف الأولى للحيتان الذي عرف باسم الحوت الباكستاني Pakicetus، وادعى أن هذا الحوت كان حيواناً وسيطاً بين حيوانات اليابسة والحيتان وأنه الحلقة الانتقالية الأولى لهذا التحول. ويومها احتفت مجلة ساينس العلمية المرموقة بذلك الاكتشاف وتصدرت أغلفتها رسوماً كاملة لذلك الحيوان الذي يمتلك ساقين فيهما أغشية كالزعانف وهو يقوم بمطاردة الأسماك كحيوان بحري صياد. ولكن على أي أساس استند غنغريتش فى ترميم وصنع هذا المخطط الكامل؟ كل قاله كان أن الأدلة الأحفورية المتاحة لديه في ذلك الوقت تألفت من بعض شظايا الجمجمة فقط: جزء صغير في الجمجمة، وعدد قليل من الأسنان، وجزء صغير من الفك. هذه هي المعطيات الأحفورية التي ادعى من خلالها أنصار التطور أنها مثلت جدّ الحيتان في وقت مبكّر في العصر الأيوسيني. بناءً على رصد بعض التشابهات في قمة أسنانه مثل mesonychids وسطية الحوافر المنقرضة التي اعتقد العالم فالين أن لها علاقة وثيقة بالحيتان الحديثة وبعض التشابهات في أجزاء من الجمجمة مع الحيتان الحديثة. لكن عند الفحص الدقيق للبيانات، يتساءل المرء بدهشة: لماذا تم اقتراح هذه العينة لأن تكون أي شيء آخر غير حيوان بري بالكامل، وعلى أي أساس علمي استند في بنائه وترميمه لمخطط كامل لهذا الحيوان بهذا الشكل في ظل غياب معظم العظام التي يجب الاعتماد عليها في الترميم. هل هناك نوعي ما من التنجيم يتم في هذه العملية؟ ظلت الفكرة السائدة عن شكل Pakicetus كما رسمها غينغريتش من دون أن يقدم أحد من أنصار التطور أي اعتراض بديهي لكن بحلول عام 2001 أعاد ذيسيسن، الخبير البارز بأحافير الحيتان، وهو صديق غنغريتش وزميله، مع فريقه البحث عن حفر أكثر حداثة واعتمدوا فيها على اكتشافات لعظام الحيوان Pakicetus، ونشرت الدراسة البحثية في مجلة nature. وعمل فريق البحث على إعادة ترميم وصفت بالأكثر معقولية تمت لعظام Pakicetus بعد إيجاد حفر جديدة له وكانت المفاجأة أن المخطط الجديد كان لحيوان بري كامل لا يشبه الأول في شيء، وأكد ذيسيسن أن تلك العظام تشير بوضوح إلى ثدييات برية بالكامل، بل وتظهر السمات التشريحية لعظام تحت القحف أن الحيوان كان من العدائين ولم تلامس أقدامه إلا اليابسة. وهنا ربما نلتمس عذراً لغنغريتش في لجوئه إلى رسوم مضللة في عام 1983 بسبب إحباطه وملله بحثاً عن شيء ذي قيمة لسنوات عدة، فكانت بعض شظايا الجمجمة التي فيها بعض التشابه مع عظام الحوت كفيلة بصنع أسطورة الحوت الأول الصياد، ولذلك لجأ إلى الخيال، ولم يتورع عن فعل ذلك لأنها كانت سمة ظاهرة في تحليل أنصار التطور لعظام الأحافير.

مشاركة :