التباين والاختلاف ، طبيعة بشرية ومن سماتها التي يجب أن تبقى وتزداد وتتأصل في النفوس ، إذ لا يمكن أن تجمع الناس على مبدأ أو عقيدة أو توجه واحد ، وإن كان ممكنا وجود توجه ورؤية عامة ، لكن يصعب أن تكون واحدة .. ولذلك نقول بداية :نعم للاختلاف ولا للخلاف ، نعم لأن تقول رأيك وتعبر عن قناعتك ، ولا لأن تفرضها على غيرك والذي من حقه أن يقبل أو يرفض ما تسعى إليه. ومن هنا فإن التحدي الفكري الأساسي: كيف ننشر مبدأ ثقافة الاختلاف من أجل مجتمع آمن وواعد ، ونُعوّد أنفسنا والآخرين من حولنا على أنه من سمات البشر؟ الآية القرآنية واضحة وصريحة «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ» وبالتالي فإن هذه إرادة الله ، التي يجب أن نؤمن بها قلبا وقالبا ، بل نعمل على تعزيزها ونشرها لأن فيها صالح الإنسانية جمعاء . فقد اقتضت مشيئة الله ، تأكيد حق الاختيار لدى الإنسان ، من خلال خلق الناس ، أمما وجماعات وداخل كل منها فئات وأفكار متباينة ، ومن تراجع وتأخر هو من قام بتحويل هذا التباين والاختلاف إلى خلاف وصراع . ولذلك فإن من يخالفني الرأي ، لا يمكن أن يكون عدوا ، لأنني أستفيد منه ، وأرى من خلاله الوجه الآخر للحقيقة. والاستفادة من هذا الاختلاف والتباين ، أمر واجب وحقيقة عبر عنها الفيلسوف الصيني الكبير كونفوشيوس بقوله «استفد من جميع الناس ، الكبير والصغير ، العالم والجاهل ، ولا تحتقر رأي أحد مهما كان ، فقد يكون لديه من سداد الرأي ، ما يفوق تصورك» . لذلك يجب أن تكون ودودا مع من تختلف معه في الرأي وتحافظ على علاقتك به . أن تحترم عقول الآخرين ولا ترى في نفسك صاحب الفكر الأوحد حتى لو كنت ضليعا في علمك ومجالك ، من الضروري الاستماع للجميع . ففكرك ومعرفتك لا يعطيك الحق في سلب آراء غيرك والتهوين منها. فمن الحكمة وسداد الرأي احترام من يختلف معك في التوجه أو المنهج أو الهواية ، وألا تحط من قدره أو تقوم بشخصنة الأمر ، وتصنيف الناس بهذا يوافقك وذاك يختلف معك . لأن تغيير قناعات الناس ، ليس مسئولية فردية وأمرا شخصيا. لكن هذا الطرح لا يستبعد عرض الحجج والأسانيد التي قد تجعل طرحك مقبولا ، إذ من الثابت أن أسلوبك الراقي واحترامك للمستوى الفكري وقناعات الناس ، يساعدك في عرض آرائك بإيجابية ، فقد تنال قبولا أكثر ، حين يكون تعاملك سمحا ... حين تستمع للآخرين الذين قد تختلف معهم ويكون كلامهم مخالفا لقناعاتك. لقد أصبح احترام مبدأ ثقافة الاختلاف ، أمرا واجبا في ظل موجات الكراهية وحالات التخوين والتسقيط والانتقاص من الآخرين وثقافاتهم ، التي صارت من علامات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ، بما يجعلها «معول هدم» لأخلاقيات المجتمع . وينطلق احترام هذا المبدأ من الأسرة وقناعاتها الايجابية ، وفي مقدمتها أن يدرك الأب أن البيئة والمغذيات الفكرية لأبنائه ، مختلفة عن تلك التي تربى هو عليها . فما بالك بالمجتمع الأكبر وبيئة العمل والدراسة وغيرها؟ ومما يدعم ذلك القول أن كل من نجح وأبدع ، كان مختلفا في حياته ، متميزا في طريقة تفكيره ومنهج حياته ، ولم يكن تابعا ومنقادا ، وإنما عاش في بيئة متباينة من ناحية الآراء والقناعات . وكان هذا التباين ، إضافة له في تنشئته وبناء شخصية متميزة ، وهو أمر يجب البناء عليه في حياتنا الاجتماعية. ولذلك ما أروع مقولة عالم النفس سيغموند فرويد «ما أجمل أن يكون لديك صديق يخالفك الرأي لأنه يهتم بمصلحتك بصدق».
مشاركة :