تحليل: تبعات ارتفاع أسعار الطاقة بين النعمة والنقمة

  • 10/24/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تحليل: تبعات ارتفاع أسعار الطاقة بين النعمة والنقمة بالنسبة للدول المُصدّرة يشكل ارتفاع أسعار الطاقة فرصة لتحقيق أكثر من هدف سد عجز الموازنة، لكن تأثير ذلك على الدول المستوردة لا يقتصر على تأجيج نار الغلاء. رغم ذلك فإن كليهما بحاجة إلى الطاقة المتجددة لأكثر من سبب. غريب أن ترتفع أسعار النفط والغاز بمثل هذه السرعة وفي وقت لم تعد فيه الحياة بعد إلى طبيعتها بسبب الجائحة. ويأتي الاستغراب على ضوء أن الصناعة رغم عودة عجلتها، لم تعد بعد إلى مستواها قبل جائحة فيروس كورونا، كما أن السفر والسياحة وقطاعات أخرى ما تزال تئن تحت وطأة تبعات الجائحة. ارتفاع الأسعار هذا وصل على مستوى الغاز الطبيعي إلى أكثر من 300 بالمائة منذ بداية العام الجاري 2021. وأرتفع معدل سعر برميل النفط مؤخرا إلى أكثر من 85 دولارا بعدما كان بحدود 45 أوائل هذه السنة. وعلى ضوء توجه المزيد من الدول لرفع إجراءات الحظر المتعلقة بجائحة كورونا ليس لنا سوى توقع المزيد من الارتفاع الذي يتوقع البنك الدولي أن يكون انحساره قبل عام 2023.  ضحايا ارتفاع أسعار الطاقة خلال الأسابيع القليلة الماضية قيل الكثير في ارتفاع أسعار مصادر الطاقة التقليدية الرئيسية وأسبابه بدءا من ضعف المخزون الاحتياطي الأوروبي من الغاز وانتهاء باتهام شركة غازبروم الروسية بإبطاء تزويد السوق الأوروبية بالغاز مرورا بزيادة الطلب عليه مع قدوم الشتاء وانتهاء بتراجع الاستثمار للقيام بأعمال الصيانة وزيادة الإنتاج خلال الجائحة. وفي خضم الارتفاعات القياسية المتتالية تتجه الأنظار أكثر فأكثر للحديث عن تبعات ذلك على الصناعيين والمنتجين الآخرين والمستهلكين. فزيادة أسعار مصادر الطاقة رفعت تكاليف الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي وخاصة خدمات النقل. وبالطبع فإن زيادة التكاليف هذه يرحّلها الصناعيون والتجار على عاتق المستهلك الذين يعاني في مختلف أنحاء العالم ولكن بنسب مختلفة من الارتفاع السريع في أسعار مختلف السلع. أما المقصود بالمستهلك هنا فهم أصحاب الرواتب والأجور المحدودة دون الفئات الثرية. هل تنجح الدول العربية في الانتقال إلى الاعتماد على مصادر الطاقات المتجددة أم تضيع الفرصة؟ على صعيد الأرقام وصلت نسبة ارتفاع أسعار عدد من الأغذية في ألمانيا على سبيل المثال إلى 40 بالمائة خلال أقل من سنة. وارتفعت أسعار الكثير من مواد البناء والمنتجات الحرفية والمفروشات بنسب زادت على 60 بالمائة. كما فقدت الكثير من البضائع في السوق بسبب انقطاع سلاسل التوريد وخطوط الإمداد وتضاعف أسعار النقل مرات عدة منذ اندلاع الجائحة. ولم يواكب ذلك حتى الآن زيادة تُذكر في الأجور والرواتب، مع أن الدعم الحكومي للمتأثرين بجائحة كورونا في ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي خفف من وطأة ذلك عليهم. أما في الدول العربية، فلم يغب مثل هذا الدعم وحسب، بل تراجع أيضا دعم السلع الأساسية وارتفعت أسعارها بشكل أكثر من ارتفاعه في ألمانيا. ويُستثنى من هذا الارتفاع سلع أساسية ما تزال تحظى بدعم حكومي كالخبز والأرز والسكر.  الرابحون من ارتفاع الأسعار وإذا كان ارتفاع أسعار الغاز والنفط نقمة على المستهلكين وفي مقدمتهم الأسر محدودة الدخل، فإنه يشكل نعمة للدول المنتجة والمصدرة لهما كروسيا والدول العربية الخليجية والعراق والجزائر. بالنسبة للدول العربية المذكورة عانت خلال السنوات الست الماضية من انخفاض أسعار النفط بشكل أفقدها نحو نصف عائداتها وأدى إلى زيادة العجز في موازناتها. وهو الأمر الذي دفع دول كالسعودية والجزائر والعراق إلى الاقتراض الخارجي أو التمويل بالعجز وإصدار السندات بشكل لم يحصل من قبل. ومع الارتفاع الأخير في أسعار النفط والغاز يتوقع أن تصل فوائض الدول العربية المصدرة لهما وعلى رأسها السعودية إلى 165 مليار دولار هذه السنة ونحو 140 مليار دولار في السنة المقبلة حسب معهد التمويل الدولي. وهناك فرص واعدة لزيادة صادرات مصر وقطر من الغاز على ضوء الطلب العالمي المتزايد عليه. ومن شأن العوائد الجديدة أن تكفي لسد عجز الموازنات والاستمرار في دعم أسعار بعض السلع والخدمات، إضافة إلى زيادة أرصدتها من العملات الأجنبية. وهو الأمر الذي سيتيح لها الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين والاستثمار مجددا في مشاريع البنية التحتية الحيوية، إضافة إلى فرملة سياسة رفع الضرائب والدعم الحكومي عن سلع وخدمات أساسية. وكانت الكثير من هذه المشاريع في بلدان كالسعودية قد توقفت بسبب تراجع عائدات النفط خلال السنوات الست الماضية. وفي الجزائر أيضا التي تصدر سنويا 50 مليار متر مكعب من الغاز توقفت مشاريع عديدة في مجالات البنية التحتية للطرق والإسكان وتمويل المشاريع الصغيرة. ومع الارتفاع الكبير في أسعار الغاز الطبيعي يتوقع زيادة الإيرادات من العملات الصعبة ولكن بشكل محدود لأن عقود بيع الغاز الجزائري هي في غالبيتها عقود طويلة الأجل وتم التوقيع عليها قبل طفرة الأسعار الأخيرة. ومما يعنيه ذلك أن قدرة البلاد على دفع عملية تحديث البنية التحتية وتقليص نسبة البطالة العالية في صفوف الشباب ستبقى ضعيفة في المدى المنظور، لاسيما وأن الفساد وصفقات التسلح سيكون لها نصيب كبير من هذه الزيادة . المذكورة.   الدول المستوردة ودوامة التضخم وإذا كان ارتفاع الأسعار نعمة للدول المصدرة وعلى رأسها دول خليجية وروسيا والعراق، فإنه يشكل نقمة على الدول العربية المستوردة لاسيما وأنها تعتمد بشكل كبير على الغاز في توليد الكهرباء والاستهلال المنزلي. ففي تونس مثلا ينبغي توفير مليار دولار إضافي لتمويل تبعات ارتفاع أسعار الطاقة هذه السنة. وفي المغرب ستكون التكلفة أعلى كون اقتصادها يعتمد بنسبة تزيد على 80 بالمائة على مصادر الطاقة المستوردة. ويقدر معهد التمويل الدولي أن مجمل التكاليف الإضافية الناجمة عن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية والغاز في الدول العربية المستوردة قد تصل إلى نحو 8 مليارات دولار. ويأتي في مقدمة هذه الدول المغرب ومصر وتونس والسودان والأردن ولبنان. ومما يعنيه ذلك زيادة الأعباء على جيوب المواطنين فيها إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الدولة ليس لديها مصادر تمويل محلية أو ذاتية لاسيما وأن قطاع السياحة ما يزال بعيدا عن التعافي مقارنة بقطاع الصناعة التحويلية الضعيف الحضور في الاقتصاديات العربية. الجدير ذكره أن تونس والمغرب ومصر والأردن ولبنان كانت تعتمد على السياحة كأحد أهم مصادر الدخل من العملات الصعبة قبل جائحة كورونا. ابراهيم: استخراج النفط والغاز لا يولد الوظائف الكافية للحد من البطالة الطاقة المتجددة للحد من تأثير التقلبات رغم أن الدول العربية النفطية تمتلك احتياطات ضخمة من النفط والغاز، فإن استمرار الارتهان لها ليس في صالح تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل حاليا في تنويع مصادر دخلها، لاسيما وأن الصناعة الاستخراجية لكلا الثروتين لا تولد الكثير من الوظائف ولا توطن الصناعات التحويلية باستثناء مصافي التكرير. وإذا ما أخذنا تغيرات السنوات الأخيرة بعين الاعتبار، فإن من متطلبات هذا التنويع الاستثمار في قطاعات مستقبلية كالطاقات المتجددة وتقنياتها بدلا من الاستمرار في ضخ الأموال بأسواق المال والعقارات والسياحة. إن مثل هذه القطاعات المستقبلية يمكنها توليد ملايين الوظائف الجديدة والمساهمة بشكل فعال في تقليص نسبة البطالة التي تصل في صفوف الشباب العرب إلى 25 بالمائة. كما أنها تنهي حالة الارتهان لتقلبات أسعار النفط والغاز التي لم تشهد الاستقرار على مدى العقود الخمسة الماضية. يضاف إلى ذلك أن الاستثمار في الطاقات المتجددة أضحى على المدى الطويل أكثر جدوى من مثيله في الطاقات الاحفورية. وإذا كانت مثل هذه الطاقات مهمة حتى للدول النفطية، فإنها أكثر أهمية للدول العربية غير النفطية التي تمتلك مقومات نجاحها على صعيد توفر الظروف المناخية واليد العاملة المؤهلة. وهنا يمكن الاستنارة بتجربة كل من المغرب والأردن في مجال الاعتماد على الطاقة الشمسية. فقد نجح كل منهما في القيام بمشاريع طاقة شمسية ورياح رائدة تغطي 20 بالمائة من استهلاك الطاقة الكهربائية في السوق المحلية. وتُعد نسبة كهذه من النسب الجيدة التي تم تحقيقها على المستوى العالمي. ابراهيم محمد

مشاركة :