إميل أمين يكتب: التكامل الأوروبي.. مستقبل في خطر

  • 12/8/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

على عتبات عام جديد من العقد الثالث للقرن الحادي والعشرين، وضمن ملامح ومعالم التغيرات الجيواستراتيجية حول العالم، يطفو تساؤل عميق: “إلى أين تمضي أوروبا؟ وهل قصة التكامل الأوروبي بالفعل في خطر؟ وبما ينذر بتفكك الإتحاد الأوربي؟ ذاك الحلم الذي بدأ في منتصف خمسينات القرن الماضي، وها هي تبدو إرهاصات نهاياته على الأبواب. الثابت أن هناك عوامل وشواهد تشي بأن خللا جوهريا يضرب ذلك الاتحاد بقوة، فقد خرجت بريطانيا من مسار الاتحاد، وهي القوة العسكرية الضاربة في القارة الأوروبية العجوز، والجناح القوي الذي يعتمد عليه حلف الناتو اعتمادا جذريا في مواجهة الروس، حال فكروا في التدخل عسكريا في أوروبا، وربما يفعلون ذلك عما قريب، كما توضح الأحول المضطربة مع أوكرانيا. أما فرنسا، فتبدو واقعة تحت الصدمة، وإن حاول الجميع لملمة جراح اللطمة القوية التي تلقتها باريس من قبل واشنطن، بعد سطو الأخيرة على صفقة الغواصات الأسترالية، ونشوء وارتقاء حلف أوكوس بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا. وبالنظر إلى ألمانيا تظهر في الأفق مخاوف عميقة، لا سيما بعد رحيل المستشارة أنجيلا ميركل، بعد أن قدمت واحدة من أهم وأنجع فترات المستشارية من زمن كونراد أديناور، وهيلموت كول وجيرهارد شرودر. عبرت ميركل بألمانيا وربما بأوروبا برمتها بحار هائجة مائجة، منها ما هو اقتصادي، كما في الأزمات التي كادت أن تذهب بدول مثل اليونان والبرتغال وإيطاليا، تلك التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس، وأزمات سياسية كما الحال في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية في زمن دونالد ترامب، ناهيك عن ضبط العلاقة مع روسيا الاتحادية عكسيا وطرديا وبكل ما تقتضيه متطلبات الحال والمآل. في هذه الأجواء لا تبدو أوربا على قلب رجل واحد، وربما كانت المقادير هي التي أجلت أو أخرت الفجوة بين الدول الأوروبية، تلك المقادير التي تمثلت في ظهور فيروس كوفيد-19 والذي لولاه لكانت الصين قد بسطت هيمنتها على دول أوربية بعينها، كما الحال مع إيطاليا، تلك التي كادت تنجرف في طريق تسليم زمام أمورها للصين، والتي نجحت في التلويح بإستثمارتها المليارية ،ما أدى إلى غضبة بقية دول القارة من الإيطاليين، غير أن الأخيرين لم يعبأوا من قريب أو بعيد، ولم تتوقف عملية الإنجراف الإ من جراء فقدان الصين لمصداقيتها مع ظهور الفيروس الصيني على حد تعبير ترامب. أحد الأسئلة المثيرة للتفكير مؤخرا: “هل من صالح الولايات المتحدة أن يتفكك الاتحاد الأوروبي على النحو الذي نراه؟ الجواب نجده طي صفحات كتاب بطريرك السياسة الأمريكية هنري كيسنجر، المعنون “هل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية؟”. يذكرنا كيسنجر بأنه أثناء عملية توحيد أوروبا، لعبت الولايات المتحدة دورا رئيسيا داعما، فقد أيدت بقوة ذلك المشروع وحثت عليه أحيانا حلفاءها المترددين. ففي العام 1963، دافع الرئيس كيندي عن توحيد أوربا سعيا وراء إيجاد علاقة أكثر تساويا مع أوربا، وقد عبر عن موقفه هذا بقوله ذات مرة قبل إغتياله بقليل: “إن أوربا المتماسكة تماما هي وحدها التي تستطيع حمايتنا جميعا من انقسام التحالف. وحدها أوروبا المتماسكة تسمح بالتبادل التام للمعاملة عبر المحيط، في مواجهة جدول أعمال الأطلسي. مع مثل أوربا هذه يمكننا الأخذ والرد بين الأنداد وأن نتقاسم بالتساوي المسؤوليات والتضحيات”. غير أن الأحلام الطوباوية لكيندي، والتي عززتها فترة الصدام والحرب الباردة مع حلف وراسو، لم يكن لها لتدوم في فترة إنهيار الشيوعية، ونهاية زمن الحرب الباردة، فقد زال التهديد الجاثم على صدر الأوربيين، وعادت أسئلة الهوية لترتفع في أعلى عليين مرة جديدة. حين خرج عالم الإجتماع السياسي الأمريكي صموئيل هنتنجتون أوائل التسعينات على العالم برؤيته لصراع الهويات، بدا وكأن الإشكالية تكاد تتوقف عند حدود الشرق والغرب، المعسكر الديني المتخيل لديه، المسيحي اليهودي، في مواجهة التحالف الإسلامي الكونفوشيوسي . غير أن هناك فجوات أخرى تبدت لاحقا في ثنايا حديث الرجل، منها الخلاف الهوياتي الأوربي الأمريكي، ومن هنا تساءل كيسنجر: هل ستترك هوية أوربا الجديدة حيزا لشراكة أطلسية؟ هل إن خروج أمريكا منتصرة من الحرب الباردة سيجعلها تنحرف نحو السيطرة؟ الشاهد أن وزير الخارجية الفرنسي أوبير فيدرين، لم يترك مجالا للشك، برايه، في أن الغرض من تحقيق هوية أوروبية هو تقليل هيمنة الولايات المتحدة، فقال : “إن التفوق الأمريكي اليوم، واضح في الاقتصاد وفي الشؤون المالية، وفي التكنولوجيا وفي المجالات العسكرية، إضافة إلى أنماط الحياة واللغة والمنتجات الثقافية الواسعة التي تغرق العالم، وتشكل طرق التفكير وتمارس سحرا يؤثر حتى في خصوم الولايات المتحدة”. هنا ينبغي الإشارة إلى أن الأمريكيين لديهم قناعة مطلقة بأن العالم في صورته المعاصرة ما هو الإ نتيجة مباشرة لفشل أوربا الكامل في إدارة شؤونها وشؤون العالم في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين. وبإختصار غير مخل نصل إلى السؤال الخاتمة: هل دعمت واشنطن تفكيك أوربا لا سيما أنها رصدت دعوات إنفصالية عن حلف الناتو، دعوات قادها الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حين دعا إلى جيش أوربي موحد يكون بصورة أو بأخرى البديل عن حماية الناتو لأوربا؟ قد يكون ذلك كذلك بالفعل، غير أن ما يمكن أن يؤخر هذا الانفصال بين شاطئ الناتو من جهة، وانفراط عقد الإتحاد الأوروبي من جهة ثانية، التهديدات الروسية الواضحة، والصينية الخفية، وفي كل الاحوال نحن لسنا أمام الإتحاد الأوربي الذي نشأ قبل ثلاثة عقود ولا يظن أنه سيعود مرة جديدة كما كان.

مشاركة :