هل هى مصادفة قدرية أم مصادفة موضوعية تلك التى تجعل الأمريكيين يقلبون هذه الأيام في أوراق أخر وأهم المتنبئين الأمريكيين وإن شئت قل العرافين الذين تركوا بصمة واضحة المعالم في مسيرة الشعب الأمريكي وربما شعوب العالم كافة؟ لا سيما وأنه تناول أحداث مثيرة عن الماضي ، عطفاً على أحداث أكثر إثارة عن المستقبل، وقد يكون الأخير هو ما يشغل الأمريكيين على نحو خاص لارتباطه بأحداث وتطورات سياسية واقتصادية، اجتماعية وثقافية، في هذه الأيام التى تمر بها الولايات المتحدة بتغيرات ذهنية وفكرية تدعو لرصدها والاهتمام بتفسيرها؟ علامة استفهام مطولة دفعتنا إليها المتابعة الأمريكية للعراف “إدجار كيسى” المولود في كنتاكي سنة 1877 والمتوفى عن عمر 67 عاماً في منطقة فيرجينابيتش. أفضل طريق للتعرف على الرجل قد يكون من خلال مناقشة السبب الرئيسي الذي استدعى الأمريكيين لإخراج أوراقه، وإعادة التأمل فيها، ومنها ما يتصل بالرئاسة الأمريكية الحالية، والرئيس دونالد ترامب، وسواء كنت تتفق معه أو تفترق عنه، ففى نهاية المشهد تجد نفسك أمام رئيس إشكالي بإيجابياته و سلبياته. يقول كيسى ضمن تنبؤاته المثيرة أن الرئيس الرابع والأربعين للبلاد الأمريكية سيكون الرئيس الأخير، ما يحمل الشعب الأمريكي على القلق تجاه مستقبل بلادهم، وبخاصة في ظل الدعوات المتصاعدة لانفصال بعض الولايات مثل تكساس في الجنوب بالقرب من المكسيك، وكاليفورنيا في الغرب على المحيط الهادئ. لكن المتابع للشأن الأمريكي يذهب إلى أن تنبؤات كيسى قد بطلت فالرئيس الرابع والأربعين هو “باراك أوباما” ، والرجل قد رحل عن البيت الأبيض، وحل محله الرئيس الخامس والأربعين “دونالد ترامب” أليس ذلك صحيحاً؟ يبدو أن هناك شئ ما أغفله المتابعون والعارفون بالشأن الأمريكي بشكل سطحى، لكنه لم يخدع المتعمقين في التاريخ الرئاسي الأمريكي بنوع خاص ومنهم الباحث “يفجيني جيجاؤرى” الروسي الأصل الذي كشف عن شئ مثير جداً وهو أن “ستيفن جروفر كليفلاند” كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الـ 22 والـ 24 ، أى بعد انتهاء رئاسته الأولى (1885 – 1889) ، عاد مرة أخرى رئيساً للبلاد في الفترة من (1893 – 1897) ، وعليه يضحى الرئيس دونالد ترامب فعليا هو الرئيس الرابع والأربعين وليس الرئيس الخامس والأربعين.. ماذا عن الرجل الذي قال بأن هذه الفترة ستكون فترة مواجهة كونية وربما تكون هي بالفعل نهاية الحياة البشرية على الأرض، وهو كلام يتسق مع النتائج الحتمية لأية مواجهات نووية محتملة. هل نحن إزاء طبعة أمريكية من العراف الفرنسي الأشهر نوستراداموس والذى قلب الجميع صفحات كتبه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول من عام 2001؟ ما هو معروف عن كيسي وبحسب ما هو متاح في الموسوعة البريطانية على نحو خاص أنه كان شاباً هادئاً على عكس الآخرين، لا يميل إلى الاستعراض والتباهي، أى أنه لم يكن يسعى للشهرة ولا للمال، بمعنى أنه لم يكن عرافا نموذجيا من الساعين وراء الشهرة المدوية أو قوة السلطة، لاستغلالها على نحو أو آخر. لم تبدأ شهرة كيسي مثل نوستراداموس مبكراً، بل ظهرت لاحقا عليه، وفي الفترة الأخيرة من حياته، وتميزت قدراته على تشخيص الأمراض وعلاجها عن طريق الدخول في حالة الخلسة أو التنويم المغناطيسي الذاتي ومن ثم قراءة الموقف. ما يحير الباحثين في شأن “المتنبئ النائم” إدجار كيسي هو إنه كان مسيحياً ملتزماً، ما يعني أنه كان بعيد كل البعد عن دائرة الأعمال الشيطانية، أو السحر الأسود الذى عرفه كثير من الأشخاص وخبرته حضارات وأمم كثيرة. على أن بدايته ارتبطت بفقدانه للنطق في سن الثالثة والعشرين، وعودته للكلام مرة أخرى بعد علاجه عبر التنويم المغناطيسي وبخاصة أن الطب التقليدى فشل في أن يعيده إلى سيرته الأولى. مراجعة بعض السطور في حياة كيسي التي يخبرنا فيها عن ذاته وعن خبراته وما الذي يجرى معه تصيبنا بنوع من الدهشة، إذا لم يكن يسعى للرؤى كما يسميها بل بحسب تصريحاته هى التى كانت تأتيه وقتما تشاء وليس عندما يشاء هو، ففي لحظات عادية كان كيسى يصاب بالشرود المباغت، وتنقلب عيناه داخل محجريهما على نحو عجيب ويدخل فيما يشبه الغيبوبة وخلالها يلقى نبؤته أو أسمها إن شئت قراءته للمستقبل ، والأكثر عجباً أنه لدى استفاقته من تلك الحالة العجيبة ، لا يعود يتذكر أى شئ من الذي قاله. ماذا عن قراءات الرجل لمستقبل أمريكا والعالم؟ لعل ما يزعج الأمريكيين اليوم تجاه تنبؤات كيسى الجديدة، هو صدق قراءاته لحال ومآل الولايات المتحدة في نهاية ثلاثينيات القرن المنصرم، في ذلك الوقت كانت أمريكا تمر بما عرف بـ “الكساد الاقتصادي العظيم ” ، وقد توقع الجميع من الرجل أن يقرأ أو يستقرئ قادمات الأيام من وجهات نظر اقتصادية، لكنهم دهشوا من أنه ذهب في طريق آخر زاد من قلقهم وأصاب الكثيرين منهم بالإحباط والتوتر، إذ كشف لهم عن حتمية دخول أمريكا الحرب الكونية الدائرة الآن في العالم القديم، أى أوروبا وآسيا وأفريقيا ، وقال أن واشنطن ستجد ذاتها مرغمة على دخول تلك الحرب، بل أبعد من ذلك تحدث عن احتمال كان يبدو بعيداً جداً عن ناظري مستمعيه ومعاصريه ، وهو سقوط روسيا وبشكل جزئي في قبضة النازيين قبل أن تنهض لتهزمهم شر هزيمة. حديث كيسي كان لا يصدق، فروسيا تاريخياً كانت عصية على دخول أى قوات أوروبية إليها، وتجربة نابليون باقية في الأذهان، كما أن أمريكا المتحصنة بين محيطين الأطلسي من الشرق والهادي من الغرب، لم يكن هناك ما يجبرها على الدخول في حرب عالمية قائمة بعيداً كل البعد عن مدارها الجغرافي. لكن الأحداث المستقبلية القريبة أرغمت الأمريكيين على خوض تلك الحرب، عندما قصف اليابانيون ميناء بيرل هاربور ، ولاحقاً إجتاح النازيون روسيا وإن إندحروا لاحقاً على أبواب موسكو وانتصر عليهم الجنرال الأبيض “الثلج” ، قبل أن تحطمهم دبابات ستالين، وهنا كانت البدايات لنهاية النازية. تجتاح المخاوف الأمريكية اليوم من قراءات كيسي، والخوف أن تتحق رؤاه الآن ومستقبلا، كما تحققت تنبؤاته عن الحرب العالمية الثانية وأمريكا وروسيا في القلب منها. يسمى “كيسي” فى إحدى قراءاته الحرب القادمة بـ”الحرب الأزلية بين الخير والشر”. هذه التسمية لها وقع صدع خطير في أذهاننا إذا إنها تتردد داخل أمريكا وبقوة منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، ذلك أنه غداة الهجوم على برجي التجارة العالمي في نيويورك عام 2001، تحدث الرئيس الأمريكي وقتئذ” جورج بوش الأبن” حديثا هو عينه حديث “كيسي”، فقد أستمع العالم إلى بوش الأبن وهو يقسم العالم تقسيما مانويا واضحا للعيان ومفهوما للأذهان، تقسيما بين الأخيار والأشرار، بين الذين معنا والذين علينا، وقد قادت تلك الذهنية إلى حروب علنية كما الحال في أفغانستان والعراق، وأخرى سرية، مثل الحرب على الإرهاب المستمرة بشكل خفي حتى الساعة. هل تصدق تنبؤات كيسي بالنسبة لمستقبل أمريكا في قادم الأيام ، وما هي أهم علامات تلك الأزمنة؟ إلى المقال القادم بإذن الله..
مشاركة :