إميل أمين يكتب: رأسمالية المناخ ومستقبل الكوكب الأزرق

  • 8/3/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تطرح التغيرات المناخية المثيرة والخطيرة المحلقة فوق سماوات الكرة الأرضية في الآونة الأخيرة، الكثير من التساؤلات الجذرية ومنها على سبيل المثال لا الحصر، العلاقة بين الرأسمالية والتغير المناخي، وهل يمكن أن تستجيب الأولى للكارثة المحدقة بالثانية، أم أننا في حاجة إلى طراز آخر من الرأسمالية، قادر على تحقيق النمو، ولكن على أساس انبعاثات منخفضة من الكربون؟.. وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن أن نصل إلى هذا؟. أضحت التغيرات المناخية رجع صدى لا يتأخر ولا يتلكأ لعلاقة الإنسان بالطبيعة، تلك التي بدأت من عند تجرؤ البشر على الموارد الكونية، وصولا إلى تغير أحوال طبقات الجو العليا. أما مصادر الطبيعة التي تجرأ الإنسان عليها، فكانت البداية  من عند الغابات التي تعرضت أشجارها لحالات من الإبادة غير المسبوقة في العالم، طمعا في ثروتها الخشبية، الأمر الذي حرم الكرة الأرضية من مصادر الهواء النظيف لا سيما الأكسجين النقي اللازم لتنفس الإنسان، وللحفاظ على درجة حرارة معتدلة للأرض. من بين المنطلقات التي ساءت فيها العلاقة بين المناخ وبين الاقتصاد، ذاك المتصل باستخدام أنواع الطاقة، لا سيما الطاقة الأحفورية أي الكربون، فقد تكلمت أفواه كثيرة عن حتمية  توقف البشرية عن استخدام الكربون في توليد الطاقة، ذلك لأنه المسبب الأول والرئيس في تلويث طبقات الجو العليا، ومرد رئيس أيضا في ازدياد اتساع ثقب الأوزون، وعلاقة الأمر وثيقة بظاهرة الاحتباس الحراري، تلك التي تسببت في كوارث لا حصر لها من عينة ارتفاع منسوب المياه في بحار ومحيطات العالم، عطفا على الأسوأ الذي لم يأت بعد والمتمثل في ذوبان الأقطاب الجليدية القطبية، وما يعنيه هذا من زوال ودمار مدن بأكملها، سوف تغمرها المياه غمرا. إضافة إلى ما تقدم فإن الاحترار العالمي يستجلب معه ظواهر مناخية تدمر البر والبحر، فهو السبب المؤكد في ظاهرة التصحر، وهذا معناه أن تفقد الأرض قدرتها على  الإنبات وعن حصد المحاصيل، ومن هنا تنشأ المجاعات ويعم الكرب الأرض بمن فيها. ولا يتوقف المشهد عند فقدان الأرض الخضراء لصالح الرمال الصفراء المقفرة، بل يمتد إلى ما هو أسوأ أي ظواهر التسونامي، حيث أمواج البحر القاسية والقاتلة تأخذ في طريقها كل شئ، وللأمر أيضا علاقة بإثارة البراكين الخامدة  منذ زمن. على أن بعدا جديدا بدأ يطرح ذاته بذاته لا سيما منذ فبراير شباط المنصرم، أي مع بداية غزو روسيا لأوكرانيا ، فقد بان جليا أن القيصر بوتين لن يترك أوربا تهنأ بالكثير من الغاز التقليدي، والذي درجت على استخدامه طوال عقود، وها هي أوربا على شفا حفرة من الثلج والبرد القاتلين، ولا يوجد في خزانات الوقود ما يكفي لمواجهة الجنرال الأبيض طوال أشهر الشتاء. علامة الاستفهام في هذا المقام: ترى ماذا أوربا فاعلة؟ الشاهد أنها أمام خيار من إثنين، إما الموت بردا، مع توقف  الحياة الاقتصادية ودروان عجلة المصانع بنوع خاص، وإما  العودة مرة أخرى إلى استخدام الكربون مع ما لذلك من تأثيرات جنونية على حالة المناخ على الكرة الأرضية. حديث الرأسمالية لم يعد إذن وحده المتحكم في أحوال المناخ، وإنما صراعات السياسة الدولية، والمواجهات بين القوى القطبية القائمة والقادمة، وعلى غير المصدق أن يراجع ما  جرى خلال قمة المناخ الأخيرة، تلك التي انعقدت في غلاسكو بأسكتلندا، في نوفمبر تشرين الثاني الماضي.. ما الذي جرى؟ باختصار غير مخل، وجد المجتمعون أنفسهم أمام تحديات جسام تتعلق بمستقبل الكرة الأرضية إيكولوجيا، وقد أخذ الحضور في ترديد شعارات جوفاء ومن غير رغبة حقيقية  في التصدي لتغيرات المناخ الكارثية، ولعل خير دليل على  صحة ما نقول به، هو أنه وفي اليوم الثالث من أعمال قمة غلاسكو، كانت الصين تزيد من استخدام الكربون الضار بنسبة 35%.. لماذا؟ لأنها كانت خارجة للتو من أزمة جائحة كوفيد -19، ولديها نقص كبير في موارد الكهرباء والطاقة، ولأنها لا تريد لأمريكا أن تستبقها في مدارك الرأسمالية العالمية، ومراكمة الفوائض النقدية، لهذا كان اللجوء إلى الفحم ولتذهب البيئة  والمناخ إلى الجحيم معا. من هنا نشأ مفهوم رأسمالية المناخ الذي يوضح حدوث أشياء خطيرة، لكن في نفس الوقت يمكن أن يكون المفهوم مدعاة لأشياء جيدة وممتعة، إذ يمكن تحقيق التقدم وإحراز نجاح في هذا السياق، وبخاصة عندما ينضم نشطاء البيئة مع الممولين في المدن، أو عندما يوحد المتاجرون في الكربون والمنظمات غير الحكومية المعنية بالتنمية جهودهم معا للحصول على الدعم المالي الذي يحقق تنمية على أساس كربون منخفض. ما الطريق إلى إستنقاذ الكرة الأرضية؟ المؤكد أن الاستجابة لتغير المناخ، تشتمل على تغيرات جذرية  في كيفية بناء اقتصاد عالمي وحياة يومية. لقد أصبح استعمال مصطلح “نزع الكربون من الاقتصاد”، في تزايد مستمر. وهو يشير إلى عملية نزع الكربون عن الطاقة التي نستخدمها في تدويرعجلة الإقتصاد، ولكن تضمين المصطلح لكيفية  تسيير الاقتصاد غالبا ما لا يحدث أو يفهم، فغالبا ما ينظر إليه  كمسألة تقنية. إن مصطلح رأسمالية المناخ ينبغي أن يفتح أعين الدول والأقطاب الكبرى على مسألة كارثية بالنسبة لهم، وهي أن شعوب الجنوب الفقير والمطحونة، لن تقف صامتة أمام التجريف الذي تتعرض له من قبل تلاعب الأغنياء بالمناخ العالمي، ولهذا فإن الهجرات بالملايين من الجنوب الفقير إلى  الشمال الغني، سوف تؤدي ولاشك إلى ثورات جغرافية وديموغرافية، وإلى حروب ونزاعات من أجل الحياة، بدءا من لقمة العيش وصولا إلى  نقطة المياه الصالحة للشرب. هل فات أوان إصلاح الأوضاع الرأسمالية المختلة والمتصلة مع أزمات المناخ الدولية؟ في كل الأحوال طالما هناك حياة يبقى هناك أمل، وعندما تشعر الخليقة بأكملها أن هناك تهديدات جدية تتمثلها، فساعتها يمكنها أن تتوحد وتلقي وراءها خلافاتها.

مشاركة :