لا يمكن أن تكون حقيقة الأمر أكثر وضوحاً من أن النية الحقيقية للحكومة الأمريكية في عقد ما يُسمى بـ "قمة من أجل الديمقراطية" لا تتعلق أبداً بتعزيز الديمقراطية، وإنما لخدمة الغرض غير الديمقراطي المُتمثل في الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة. فمن خلال ادعائها على نحو سخيف بأنها "نموذج مثالي للديمقراطية"، تغض حكومة الولايات المتحدة الطرف عن عدد كبير من المشاكل الداخلية الناجمة عن تدهور واختلال نظامها الديمقراطي، وتصُمُّ أذنيها عن الانتقادات واسعة النطاق لقرارها بالتمسك بما يُسمى "قمة من أجل الديمقراطية". لطالما كان المجتمع الأمريكي مُفعماً ومشحوناً بالانقسامات الاجتماعية، والصراع العنصري وفجوة الثروة المتسعة. إن الوضع المتدهور للديمقراطية وحقوق الإنسان في الولايات المتحدة بات أمراً واضحاً للعيان وأمام مرأى الجميع. يُظهر تقرير حديث صدر عن مركز "بيو" للأبحاث، أن 17 في المئة فقط من الذين شملهم الاستطلاع يرون الديمقراطية الأمريكية مثالاً جيداً يُمكن لدول أخرى أن تحذو حذوه. ووفقاً لنتائج دراسة أخرى أجرتها مؤسسة "روبرت بوش" في ألمانيا، فإن أكثر من 50 بالمائة من الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع يرون بأن نظامهم الديمقراطي لا يعمل على الإطلاق في ظل الظروف الحالية. إنّ دولة ملوثة بمثل هذه المشاكل لا يمكن اعتبارها "منارة للديمقراطية". إنها ديمقراطية مُشوّهة ومُنافقة في أحسن الأحوال. لا يتجلى الهدف النهائي لحكومة الولايات المتحدة في عقد ما يُسمى بـ "قمة من أجل الديمقراطية" بتعزيز الديمقراطية، ولكن للتحريض على المواجهة والكراهية، وإجبار الآخرين على اتباع نموذجها الديمقراطي الخاص، والحفاظ على هيمنتها. في الواقع؛ تتميز الولايات المتحدة بكونها دولة ذات تقليد طويل الأمد من الهيمنة. فبعد الحرب العالمية الثانية، وانطلاقاً من رغبة أنانية في ضمان وتأمين مكانة مهيمنة في الشؤون الدولية، عملت الولايات المتحدة على تشكيل وصياغة المشهد السياسي والاقتصادي الدولي وفقاً لمصلحتها الخاصة. وخلال الحرب الباردة؛ تدخلت أيضاً بحماس في شؤون الدول الأخرى، بل وأطاحت بحكومات تجرأت على معارضتها، ما أدى إلى نشوب صراع وعدم استقرار في أجزاء عديدة من العالم. ومنذ الحرب الباردة؛ وباعتبارها قوة عظمى وحيدة، حرّضت الولايات المتحدة بشكل صارخ أو شنت الحروب ضد دول ومناطق أخرى، ما تسبب في مأساة كبيرة للناس في دول مثل أفغانستان والعراق. وفي تجاهل تام للقانون الدولي، استخدمت الولايات المتحدة كل شيء تقريباً في "ترسانتها" لتقويض استقرار الدول الأخرى، بما في ذلك فرض ما يُسمى بالولاية القضائية طويلة المدى والعقوبات الاقتصادية. كما ينعكس سعيها اليائس والمستميت للسلطة، فضلاً عن أنانيتها المُفرطة، ينعكسان جلياً أيضاً في حوكمة الفضاء الإلكتروني، ومحاولتها تسييس تتبع أصول كوفيد-19، فضلاً عن ممارسات أخرى. إن ما يُسمى بـ "قمة من أجل الديمقراطية" ليست سوى أحدث تجليات مظاهر الهيمنة للولايات المتحدة، وإن هذه المحاولات المكشوفة لا طائل من ورائها بقدر ما هي مكروهة على نطاق واسع. وعلى العم سام أن يتوقف عن التصرف كـ "مُحاضِر عن الديمقراطية" وأن يتعلم من أخطائه الماضية.
مشاركة :