يطوي العام الجاري صفحاته بعد أيام قليلة في ظل مستجدات كثيرة عرفتها الدبلوماسية المغربية وخاصة في ما يتعلق بملف الصحراء، على المستوى السياسي والدبلوماسي والأمني، والذي دفع بالرباط إلى خلافات دبلوماسية وإلى مراجعة شراكاتها والتحرك نحو الانفتاح على فضاءات جديدة. ولا يزال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في منصبه منذ العام 2017، وهو على رأس الدبلوماسية بالحكومة الجديدة، التي تم تعيينها في أكتوبر الماضي. واحتفى المغرب طوال العام 2021 بافتتاح قنصليات عدد من الدول الأفريقية والعربية في كبرى مدن الأقاليم الجنوبية، ومن بينها مالاوي التي كانت تعترف سابقا بالبوليساريو قبل أن تسحب اعترافها بالجبهة في 2017. وجاء ذلك إثر إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الإقليم، وهو ما استمرت في اعتماده إدارة الرئيس جو بايدن من بعده. واستمرت الرباط طوال العام في قيادة الوساطة الدبلوماسية لحلّ الأزمة الليبية باستضافة ملتقى الحوار الليبي، فضلا عن تعزيز علاقاتها مع الدول الأوروبية، وعقد شراكات أخرى خارج الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر أول شريك اقتصادي للبلاد. كما شهدت التحركات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل زخما كبيرا خلال العام الجاري وذلك بعد أن استأنف البلدان علاقاتهما الدبلوماسية منذ أواخر العام الماضي. خلافات وأزمات فيما تعززت علاقات المغرب مع دول كثيرة، شهدت علاقاته الدبلوماسية بدول أخرى مثل ألمانيا وإسبانيا والجزائر توترات حرجة. ففي العام 2021، استدعى المغرب سفيرتيه لدى ألمانيا وإسبانيا، الأولى بسبب موقف برلين السلبي بشأن قضية إقليم الصحراء المغربية ومحاولة استبعاد الرباط من الاجتماعات الإقليمية حول ليبيا. أما الثانية فجراء استضافة مدريد زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي، التي تنازع المغرب على الإقليم، وذلك للعلاج من كورونا بهوية مزيفة في أبريل الماضي، وهو ما أثار غضب الرباط. ورغم أن قضية إقليم الصحراء هي المحدد الذي تتحرك بموجبه الدبلوماسية المغربية، فإن الرباط اختارت خطة “الهجوم أفضل وسيلة للدفاع”، بدل أسلوب ردود الفعل المتبعة في السنوات الماضية. وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها في إقليم الصحراء، بينما تدعو البوليساريو إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم. وخلال العام الجاري، قرر النظام الجزائري قطع العلاقات مع المغرب وغلق المجال الجوي أمام الطائرات المغربية. لكن المغرب لم يتجاوب مع منطق التصعيد واختار الدعوة إلى التهدئة وإعادة العلاقات وتأكيد التزامه بالعلاقات الثنائية التي تقوم على المصلحة المشتركة وحسن الجوار. وفي مايو الماضي استدعى المغرب سفيرته لدى برلين زهور العلوي للتشاور، جراء ما وصفه بموقف ألمانيا السلبي بشأن الصحراء ومحاولة استبعاد الرباط من الاجتماعات الإقليمية حول ليبيا. وقبل استدعاء السفيرة بشهرين، قطع المغرب علاقاته مع السفارة الألمانية في الرباط مطلع مارس الماضي، جراء خلافات عميقة تهم قضايا مصيرية، لم يتم توضيحها وقتها بالضبط. وفي الثامن من ديسمبر الجاري، قالت السفارة الألمانية في الرباط عبر موقع فيسبوك، إن من مصلحة كلا البلدين عودة العلاقات الدبلوماسية الجيدة والموسعة تقليديا. وتابعت السفارة “في الأيام القليلة الماضية، كما في الماضي، نشرت معلومات كاذبة حول العلاقات الألمانية المغربية بطرق مختلفة”. وجاء منشور السفارة بين نحو أربعة أيام من قول وزير الخارجية المغربي، في كلمة بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، إن علاقة الرباط وبرلين يجب أن تراعي الوضوح والمعاملة بالمثل. وبعد ذلك بأيام، أفاد بيان للخارجية الألمانية في الرابع عشر من ديسمبر، أن مخطط الحكم الذاتي يشكل “مساهمة مهمة” للمغرب في تسوية النزاع حول إقليم الصحراء، وذلك عقب أشهر من التوتر بين البلدين. ورحب المغرب الأربعاء بما قال إنها مواقف بناءة لألمانيا تتيح استئناف التعاون الثنائي وعودة سفارتي البلدين للعمل بشكل طبيعي. وقالت وزارة الخارجية المغربية في بيان، إنها ترحب بالإعلان الإيجابي والمواقف البناءة لألمانيا، مما يُتيح استئناف التعاون الثنائي وعودة سفارتي البلدين للعمل بشكل طبيعي. وأعربت عن أملها في أن تقترن هذه التصريحات بالأفعال، بما يعكس روحا جديدة ويعطي انطلاقة جديدة للعلاقة على أساس الوضوح والاحترام المتبادل. وإلى جانب الخلاف مع ألمانيا، شهد عام 2021 أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين المغرب وإسبانيا، جراء استضافة مدريد زعيم البوليساريو إبراهيم غالي، للعلاج من كورونا بهوية مزيفة في أبريل الماضي. وفي سبتمبر، استدعت محكمة إسبانية غونزاليس لايا، على خلفية استضافة مدريد زعيم البوليساريو الذي تتهمه الرباط بـ”ارتكاب جرائم ضد الإنسانية”. وزاد من حدة الأزمة، تدفق نحو 8 آلاف مهاجر تجاه مدينة سبتة الواقعة أقصى شمال المغرب وتديرها إسبانيا، بين 17 و20 مايو الماضي. وبعد أن استدعت الخارجية الإسبانية سفيرة الرباط لديها كريمة بنيعيش للاحتجاج على تدفق الآلاف من المهاجرين إلى سبتة، استدعت المغرب في الثامن عشر من مايو سفيرتها لدى مدريد للتشاور. وتعتبر الرباط أن سبتة “ثغرا محتلا” من طرف إسبانيا، التي أحاطتها بسياج من الأسلاك الشائكة بطول نحو 6 كيلومترات. واتهمت وزيرة الدفاع الإسبانية مارجريتا روبلز، المغرب آنذاك، بـ”ابتزاز إسبانيا واستغلال الأطفال”، وذلك على خلفية التوترات بين البلدين في سبتة. ورغم أن أزمة البلدين كانت من بين أسباب تغيير وزيرة خارجية إسبانيا السابقة آرانتشا غونزاليس لايا، فإن التوتر لا يزال قائما بينهما، خصوصا أن السفيرة المغربية لم تعد بعد إلى مدريد. علاقات قوية لم تنعكس الأزمة بين الرباط وكل من مدريد وبرلين سلبا على علاقة المغرب مع الاتحاد الأوروبي، رغم بعض التصريحات الأوروبية الداعمة لإسبانيا بين الفينة والأخرى. ففي التاسع عشر من مايو الماضي، اتهم مارغاريتيس شيناس نائب رئيسة المفوضية الأوروبية، المغرب بـ”ابتزاز” أوروبا عبر ملف الهجرة. فيما قضت محكمة العدل الأوروبية في سبتمبر الماضي، بإلغاء قرارين لمجلس الاتحاد، يتعلقان باتفاقيتين مع المغرب حول الصيد البحري والزراعي، تشملان سواحل ومنتجات إقليم الصحراء المغربية، بعد شكوى تقدمت بها البوليساريو ضد الاتفاقيتين. لكن في التاسع والعشرين من سبتمبر (يوم صدور الحكم)، قرر المغرب والاتحاد الأوروبي اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان استمرار العلاقات التجارية بينهما واستقرارها، عقب إلغاء محكمة العدل الأوروبية الاتفاقيتين. جاء ذلك في بيان مشترك بين جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية نائب رئيس المفوضية الأوروبية، ووزير الخارجية المغربي بوريطة. الرباط استمرت في قيادة الوساطة لحل الأزمة الليبية وتعزيز علاقاتها مع دول أوروبا وعقد شراكات مع غيرها وأبرز الطرفان أنهما سيتخذان الإجراءات اللازمة لضمان الإطار القانوني، الذي يضمن استمرار واستقرار العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية. وفي نوفمبر الماضي، قال بوريطة في كلمة بالبرلمان، إن الرباط ينبغي أن تتخلص من منطق المساومة الذي تنهجه أوروبا من حين إلى آخر. وأضاف أن أي اتفاق مستقبلي ينبغي أن يكون في إطار احترام السيادة المغربية كمنطلق لأي اتفاق، مشددا على ضرورة إيجاد بدائل أخرى لاتفاقيات جديدة تحترم السيادة المغربية. وبالتزامن مع هذه التطورات، طالب برلمانيون مغاربة مؤخرا، بتطوير التعاون مع دول الجوار وإعادة النظر في العديد من الاتفاقيات بين المملكة والاتحاد الأوروبي، مراعاة لمصالح المغرب الحيوية. وطالب البرلمانيون في تقرير منتصف نوفمبر الماضي “بتعزيز التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف مع شركاء المغرب التقليديين إلى جانب الانفتاح على فضاءات جديدة وواعدة بكل من القارة الآسيوية وأميركا اللاتينية”. وبالفعل، تتحرك الدبلوماسية المغربية نحو تعزيز شراكاتها وتنويعها، وقد نقل التقرير عن بوريطة قوله إنه عقد خمسين لقاء وأجرى مباحثات مع 32 وزير ووزيرة خارجية لدول أفريقية، في إطار السعي المتواصل لتعزيز دينامية العلاقات والنهوض بها خلال هذه السنة، وتم فتح سفارتين جديدتين للمملكة في كل من غينيا بيساو وبوروندي، ليصبح بذلك عدد سفارات البلاد في القارة ستا وثلاثين سفارة.
مشاركة :