الدبلوماسية التونسية في حاجة إلى الاستقرار واستراتيجيات جديدة | صغير الحيدري

  • 1/5/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بحلول العام 2022 دشنت الدبلوماسية التونسية سنة حبلى بالتحديات، خاصة وأنها تأتي مع اختتامها عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وكذلك انتقال سياسي داخلي بعد الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو الماضي. وأحال إعلان وزارة الشؤون الخارجية في بلاغ قبل حلول العام الجديد، عن اختتام عضوية تونس في مجلس الأمن خلال الفترة الممتدة من 2021 إلى 2022، مباشرة إلى تقييم حصيلة هذه الفترة ومدى نجاعة الدبلوماسية التونسية. لكن الأهم يبقى التركيز على رهانات الدبلوماسية التونسية الآن في ضوء التطورات في الإقليم، وبشكل خاص الأزمة الليبية وتصاعد التوتر بين الجزائر والمغرب، وكذلك الانتقال السياسي الداخلي الذي فرض تحديات مزدوجة، فالبلاد التي تكافح من أجل تعبئة موارد خارجية لدعم الاقتصاد المتعثر وجدت نفسها فجأة في مواجهة سرديات خصوم الرئيس سعيّد، الذين يحاولون بشتى السبل تحريض الخارج ضد المسار الذي اتخذته البلاد. اتسمت فترة عضوية تونس غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي بغياب الاستقرار على مستوى الطاقم الدبلوماسي للبلاد، لكن أيضا على مستوى المواقف، حيث أفضت تدخلات رئيس البرلمان المجمدة أعماله واختصاصاته راشد الغنوشي إلى خلق نوع من التناقض في ما تبديه تونس حيال بعض القضايا، في مقدمتها الأزمة الليبية التي حاولت البلاد النأي بنفسها قدر الإمكان عن أطرافها المتنازعة هناك. عدم استقرار إقالته مثلت منعطفا حاسما للدبلوماسية التونسية إقالته مثلت منعطفا حاسما للدبلوماسية التونسية كانت بداية عدم الاستقرار على المستوى التونسي مع إقالة قيس القبطني مندوب تونس إلى الأمم المتحدة وما أثاره ذلك من جدل واسع، قبل أن تشهد العديد من السفارات والقنصليات تغيّرات بعضها بسبب شبهات فساد يتم التحقيق فيها حاليا على غرار قنصلية تونس في باريس. وفي ديسمبر الماضي أعلنت رئاسة الجمهورية في بيان أن الرئيس سعيّد أنهى مهام قنصلي بلاده في مدينتي باريس وميلانو، وأمر بإجراء تدقيق مالي وإداري بالقنصليتين المذكورتين. وتحتم التطورات الداخلية والخارجية التي أعقبت تاريخ الخامس والعشرين من يوليو، تكريس حالة من الاستقرار في المناصب الدبلوماسية بما يكفل تحقيق الأهداف المطلوبة التي يبدو أن في مقدمتها رفع كل الضغوط على البلاد، التي سببتها حملات من خصوم الرئيس سعيّد في مقدمتهم حركة النهضة الإسلامية في سياق الرد على الإجراءات الاستثنائية. أحمد ونيس: يجب إرساء استقرار على مستوى الطاقم الدبلوماسي التونسي وقال وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس إن “الاستقرار ضرورة ملحة اليوم، بعد حالة الاضطراب التي عرفتها الدبلوماسية التونسية على مستوى قادتها، الذين كان أولهم وزير الخارجية خميس الجهيناوي الذي تمت إقالته في العام 2019". وأضاف ونيس في تصريح لـ"العرب" أن "هناك إقالات عديدة عرفتها الدبلوماسية بعد هذه التنحية في عدة عواصم، وهي إقالات من حق رئيس الجمهورية أن يقوم بها، لكن اليوم في ظل الانتقال الديمقراطي الموجود يجب ترسيخ الاستقرار، لأنه من الصعب المس من عزيمة الأسرة الدبلوماسية التونسية التي لا تطلب المناصب ولا المزايا، حيث تعودت على التجند لخدمة تونس، لذلك يجب وضع استراتيجية وسياسة واضحة يتم على أساسها إرساء استقرار على مستوى الطاقم الدبلوماسي حتى يستطيع هذا الأخير تحقيق الأهداف المرسومة له". وبالرغم من التغيرات التي طرأت على قادة الدبلوماسية التونسية، إلا أن الأخيرة نجحت في تقديم مبادرات هامة في توقيت حساس على غرار مشروع القرار الذي تقدمت به إلى مجلس الأمن للحث على التضامن الدولي في مواجهة كوفيد -19 ووقف إطلاق النار من أجل التفرغ لذلك. وانضمت فرنسا إلى هذه المبادرة ودعمتها فرنسا ليعتمدها المجلس في يوليو 2020 بإصدار القرار 2532 الذي يدعو لوقف القتال لمواجهة وباء كورونا. وقالت وزارة الخارجية في بيان إن "تونس لم تدّخر جهدا خلال كامل فترة عضويتها في مجلس الأمن، من أجل الدفاع عن القضايا العربية والأفريقية في المجلس". وتابع البيان “كما اعتمد مجلس الأمن بمبادرة من تونس بيانا رئاسيا حول سد النهضة الإثيوبي يراعي مشاغل ومصالح كل الدول المعنية، وحثّ على استئناف المفاوضات بينها بشكل بناء ويدعم المسار التفاوضي الذي يرعاه الاتحاد الأفريقي". وبالفعل، بذلت تونس جهودا مضنية لمحاولة إيجاد صيغة توافقية بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة ثانية في نزاعهما، وهو ما أغضب أديس أبابا، كما عملت على تكثيف تحركاتها بشأن ليبيا، لاسيما بعد انتخاب سلطة جديدة في مارس الفائت، حيث قام الرئيس سعيّد بزيارة إلى طرابلس، فيما زار رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي تونس في وقت سابق. تحديات جديدة حالة من الارتباك الواضحة حالة من الارتباك الواضحة مع إعلان الرئيس سعيّد عن سلسلة قراراته في الخامس والعشرين من يوليو، التي جمد بمقتضاها البرلمان وأقال الحكومة برئاسة هشام المشيشي، باتت تونس تواجه حملة خارجية يقودها الإسلاميون، ممثلين في حركة النهضة، لدفع شركاء البلاد على غرار الولايات المتحدة إلى الضغط عليها من أجل وضع حد لتلك الإجراءات التي أزاحتهم من السلطة. كانت إجابة الرئيس سعيّد على تلك الضغوط في الثالث عشر من ديسمبر الماضي بإعلان روزنامة للمواعيد السياسية ليستجيب بذلك للمطالبات الخارجية والداخلية معا، بوضع خارطة طريق توضح معالم الفترة المقبلة التي تعيشها تونس، وهو ما وجد ترحيبا من قبل شركائها الخارجيين مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ومع احتدام المواجهة الآن بين النهضة والسلطات، وهي مواجهة أخذت منحيين: الأول قضائي والثاني أمني، بعد تلكؤ القضاء، قد تكثف الحركة الإسلامية من تحركاتها الخارجية لتحريض شركاء تونس عليها، خاصة من خلال الاستنجاد بالمظلومية ومحاولة تحويل الخلاف السياسي إلى ملف حقوقي، وهو ما يستوجب وفقا لأوساط دبلوماسية ردا دبلوماسيا. واعتبر ونيس أن الدبلوماسية التونسية مدعوة إلى توضيح ما يحدث داخليا ردا على السرديات التي يتم الترويج إليها، قائلا “اليوم فتحنا في تونس واجهة جديدة، حيث دخلت البلاد في مواجهة حزب سياسي هو حزب النهضة الدوغمائي، لقد ساهم هذا الاعتماد في تعثر الانتقال الديمقراطي، ما دفعنا إلى فتح جبهة جديدة نأمل في أن تنجح في إيصالنا إلى تثبيت الخيار الديمقراطي". مع احتدام المواجهة الآن بين النهضة والسلطات قد تكثف الحركة الإسلامية من تحركاتها الخارجية لتحريض شركاء تونس عليها وهو ما يستوجب وفقا لأوساط دبلوماسية ردا دبلوماسيا وشدد على أن التحرك يوم الخامس والعشرين من يوليو كان يستهدف تجاوز العقبات التي تواجهها الديمقراطية، بسبب تصرفات حركة النهضة التي تبدو في الظاهر ديمقراطية، لكنها في الجوهر غير ديمقراطية ولم تحترم الدولة، وفق قوله. وتتزامن الفترة الانتقالية التي تعيشها البلاد مع أزمة اقتصادية حادة ترغم السلطات على التوجه للمانحين الدوليين، وسط مؤشرات سلبية على غرار الترقيم السيادي وغيره، وهو ما يجعل تونس أمام ضرورة القيام بعمل دبلوماسي يفضي إلى إقناع الشركاء الخارجيين بدعمها في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، الذي يطالب بالعديد من الإصلاحات داخليا. وتبنت تونس ميزانية جديدة للعام 2022 تضمنت إجراءات وُصفت بالموجعة، لكنها بدت وكأنها تندرج في سياق إقناع صندوق النقد الدولي بجديتها في مباشرة الإصلاحات المطلوبة، رغم أنها لا تتضمن نقاطا هامة لطالما نادى بها الصندوق، على غرار التخفيض في كتلة الرواتب في الوظيفة العمومية. وعلى الصعيد الخارجي، تجد تونس نفسها اليوم في إقليم مضطرب في ظل تنامي الخلافات بين المغرب والجزائر بسبب الصحراء، ما يرغمها على إيجاد الوصفة السحرية للتعامل مع هكذا قضية، خاصة وأنها لطالما لعبت دورا محايدا في هذا الصدد. كما تفرض تطورات الأزمة الليبية إيقاعها على الدبلوماسية التونسية، حيث فشلت الأطراف السياسية في إنجاح الانتخابات العامة التي كان من المزمع إجراؤها في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي، بسبب خلافات حول قواعد هذا السباق وغيرها. انشرWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :