لا يزال السجال قائما في تونس حول المؤتمر الحادي عشر لحركة النهضة الإسلامية، الذي تم إرجاؤه في وقت سابق بذريعة تفشي فايروس كورونا. فالحزب ذو التوجه الإسلامي يشهد أزمة بين تيارين أحدهما يدفع نحو بقاء زعيمه التاريخي راشد الغنوشي رئيسا له وآخر يضغط من أجل رحيله، وهو ما جعل المتابعين يشككون في طبيعة هذه الأزمة. تونس - مع اقتراب المؤتمر الحادي عشر لحركة النهضة الإسلامية في تونس، يتواصل الجدل بشأن مدى ديمقراطية الحركة داخليا في ظل تمسك زعيمها التاريخي، راشد الغنوشي، بالبقاء رئيسا وهو ما يخالف النظام الداخلي للحركة، ما أثار جدلا وغضبا من قيادات بارزة ترفض تعديل النظام الداخلي للحزب تمهيدا للتمديد للغنوشي. ومن بين الأسئلة التي تدور في خضم النجاحات التي تحققها النهضة حتى الآن، رغم سقوط من يقاسمها المواقف والآراء والخط السياسي إقليميا، ما مدى التزام الحركة بالأجندة الإخوانية؟ وهو ما تنفيه النهضة دائما. وتخوض الحركة الآن العديد من الصراعات مع عدة فاعلين سياسيين في تونس بدءا من الرئيس قيس سعيد مرورا بحلفائها السابقين من وسط اليسار وصولا إلى الدساترة (الموالين للرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي). وفي هذا الإطار يشدد فريد بن بلقاسم، وهو باحث في الجماعات الإسلامية وأستاذ في إحدى الجامعات التونسية، على أن النهضة لم تنزع عنها جبة الحركة الإخوانية بالرغم من تسويقها خطابًا في هذا الاتجاه. وأكد بن بلقاسم في حوار مع “العرب” أن القوى المدنية والنخب في تونس تراهن على الضغوط المكرسة على النهضة من أجل القيام بمراجعات حقيقية في علاقتها بالخارج وبالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين. وبن بلقاسم صدر له مؤلف “الإسلام السياسي ومفهوم المخاطر” في عام 2019، كما كانت له مساهمة في كتاب “ميراث النساء ووهم قطعية الدلالة” ببحث عنوانه “في علم الفرائض: دراسة تحليلية نقدية”، إلى جانب العديد من المقالات التي تتطرق إلى الإسلام السياسي. وتمر حركة النهضة، ذات المرجعية الإسلامية، بأزمة تباينت المواقف على الساحة السياسية بشأنها بين من يرى أنها مناورة من قيادات الحركة لإظهار أن النهضة تتوفر فيها مناخات ديمقراطية وتعددية، وبين من رأى أنها أزمة حقيقية فجرتها مسألة قيادة الحركة. يحاول راشد الغنوشي، الزعيم التاريخي للنهضة، أن يحصل على التمديد في عهدته كرئيس للحزب بالرغم من أن ذلك يخالف الفصل 31 من النظام الداخلي للحركة، وهو ما جعل مناوئيه يتحركون على أكثر من صعيد للإطاحة به قبل المؤتمر الحادي عشر للحزب الذي من المقرر أن يكون نهاية هذا العام. وفي هذا الصدد يقول فريد بن بلقاسم إن ’’أزمة النهضة هي أزمة مصطنعة؛ فكل من يدخل التيارات الإسلامية يكون قد قام ببيعة للقائد وهذا ما فعله النهضويون.. أنتم تابعتم حتى بعض القياديين الذين غادروا على غرار رياض الشعيبي وغيره عادوا في ما بعد إلى النهضة متوددين إلى الغنوشي.. العلاقة علاقة تبعية إذًا وعلاقة بيعة وليست علاقة تنافس وصراع برامج وغيره‘‘. ويُضيف بن بلقاسم أن ’’المشكلة تكمن في أن النهضة تريد إيهام عامة الشعب بأن هناك نقاشا داخليا في ما بين قياداتها.. لكن السؤال الذي يُطرح هو: هل يمكن تخيل نهضة دون راشد الغنوشي؟ ببساطة غير ممكن لأن للغنوشي مكانته الاعتبارية حتى داخل التنظيم العالمي للإخوان، لذلك لا يمكن تخيل نهضة دون الغنوشي وإلا لن تكون هي النهضة التي نعرفها‘‘. وكان مئة قيادي من النهضة قد وجهوا رسالة أُطلق عليها اسم ’’رسالة المئة‘‘ تطالب الغنوشي بعدم الترشح لرئاسة الحركة الإسلامية في مؤتمرها الحادي عشر. ويقول بن بلقاسم ’’حتى من يقرأ هذه الرسالة يكتشف أن فيها توددا إلى الغنوشي وأنه بإمكانه أن يلعب دورا في موقع آخر داخل النهضة، لذلك لا يملك هؤلاء المعارضون للغنوشي أية رؤية إصلاحية، ولذلك تبقى هذه الأزمة مصطنعة‘‘. ويُضيف ’’النهضة تأسست بعقيدة الجماعات الإسلامية؛ الكل داخل هذه الجماعة يُطيع القائد ولا يُخالفه، والنهضة لم تُثبت بعد أنها تخلت عن مرجعيتها الإسلامية‘‘. وبالرغم من الضغوط التي تسببت فيها مسألة ما إذا كان الغنوشي سيترشح لرئاسة الحركة أم سيعدل عن ذلك فإن النهضة نجحت في تصدير أزمتها إلى الشأن العام في تونس حيث تم إرجاء المؤتمر في وقت سابق بذريعة تفشي فايروس كورونا المستجد. وإلى الآن لم يتضح أجل هذا المؤتمر ومكان إقامته بالرغم من التأكيد على أنه سيكون نهاية هذا العام. ويرى مراقبون أن هذا المؤتمر سيختبر ديمقراطية الحركة الداخلية من عدمها، إلى جانب نزع جبة الانتماء إلى الإخوان حيث لا يزال التيار الإصلاحي يُكابد من أجل إنهاء الارتباط بالإسلام السياسي. و بالرغم من أن السياقات الإقليمية والعالمية، إلى جانب الحراك الداخلي، قد دفعت حركة النهضة الإسلامية إلى إعلان قيامها بمراجعات إلا أن ذلك لا يُقنع حتى الآن معارضيها حيث يُشير هؤلاء إلى أن النهضة لا تنفي ارتباطها بتنظيم الإخوان وبقطر وتركيا الداعمتين للإسلاميين. وفي هذا السياق، يقول فريد بن بلقاسم إن ’’ما يقوله قياديو النهضة لا يتعدى كونه خطابا إعلاميا لمهادنة خصومهم. في الواقع لا يمكن إثبات ما إذا كانت النهضة تتلقى أوامر أو توجيهات من قيادات التنظيم العالمي للإخوان لكن المؤكد أن الحركة لا تزال تؤمن بشمولية الإسلام وبأن إقامة دولة إسلامية هي الحل وهذا كله من شعارات الإخوان، ما يعني أنها لا تزال تنتمي إلى هذا التيار‘‘. ويُشدد بن بلقاسم على أن هناك أصوات فردية خرجت وانتفضت ضد القيادة بهدف القيام بمراجعات للخروج من الانتماء إلى الإسلام السياسي لكن الحركة لم تنجح بعد في القطع مع الإخوان. وتُواجه النهضة منذ قيام ثورة يناير 2011 اتهامات متصاعدة من قبل خصومها بانتمائها إلى الإخوان المسلمين، خاصة في ظل تحركات الغنوشي الخارجية وارتباطاته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى جانب اتصالات الحركة بفروع التنظيم في ليبيا ومصر وغيرهما. وتصاعدت الاتهامات ضد النهضة بعد عودة حالة الاستقطاب بينها وبين المحسوبين على القوى المدنية على غرار الحزب الدستوري الحر الذي ترأسه عبير موسي التي تنتقد أجندات النهضة وارتباطها بالإخوان لاسيما على مستوى أيديولوجيتها التي تنبني على الولاء للخارج (للتنظيم الدولي) والتمكين من الداخل من خلال السيطرة على مفاصل الدولة. وفي هذا الإطار يقول بن بلقاسم ’’لا يمكن للنهضة أن تغادر موقعها كحركة إسلامية فتلك هويتها. ما أعتقده شخصيا أننا نراهن على الضغوط التي تكرسها القوى المدنية والمدافعون عن مدنية الدولة والأصوات الفردية داخل النهضة لإرغام الأخيرة على إجراء مراجعات. يمكن أن تكون النهضة حزبا محافظا؛ لدينا محافظون يبحثون عمّن يمثلهم لكن عليها مراجعة علاقتها بالإخوان‘‘. وفي مواجهة الضغوط الداخلية والإقليمية، لجأت حركة النهضة وفقا لمراقبين إلى التعويل على أذرع جديدة حيث برزت تيارات تنتج نفس الخطاب الذي كانت تعتمد عليه النهضة في وقت سابق. في الانتخابات البرلمانية، التي أجرتها تونس العام الماضي، نجحت تيارات جديدة تنتمي إلى عائلات سياسية مختلفة، على غرار الدساترة (الموالين للرئيس الأسبق والراحل الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي كذلك)، في الصعود وتحقيق نتائج إيجابية. وبموازاة ذلك، نجحت حركات مقربة من النهضة في البروز بقوة على الساحة السياسية حيث حاز ائتلاف الكرامة على 19 مقعدا في البرلمان الجديد. ويرى مراقبون أن هذا الائتلاف منحته النهضة ضوءا أخضر للصعود من أجل معاضدة جهودها في البرلمان وتعزيز موقعها. ويقول فريد بن بلقاسم إن ’’هذا الائتلاف نجح في أن يستميل جزءا كبيرا من ناخبي النهضة حيث استعاد خطابا لا تستطيع النهضة اليوم تبنيه على غرار اتهام فرنسا والتشكيك في تاريخ البلاد وحمل صور الرئيس المصري محمد مرسي‘‘. ويُضيف ’’شخصيا أعتقد أن مستقبل هذا الائتلاف يبقى رهين أهداف حركة النهضة المستقبلية لأن النهضة تُدرك أنه لا يوجد ما هو أخطر من ائتلاف الكرامة على مستقبلها‘‘. ويشدد بن بلقاسم على أن ائتلاف الكرامة يعد أخطر حتى من الحزب الدستوري الحر على مستقبل حركة النهضة لأن ’’هذا الائتلاف يتوجه لخزان النهضة الانتخابي وهو ما لا تقوم به عبير موسي لأنها تغازل ناخبي نداء تونس ومشروع تونس وغيرهم لكن ائتلاف الكرامة يذهب مباشرة إلى خزان النهضة والخطاب الذي يتوخاه هذا الائتلاف يجد صداه لدى الناخبين وخاصة ناخبي النهضة‘‘.
مشاركة :