مساع لجمع شتات اليسار التونسي مع تأزم الأوضاع في البلاد | صغير الحيدري |

  • 12/16/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كثفت أحزاب ووجوه يسارية في تونس من تحركاتها بغية توحيد الصف اليساري في الوقت الذي ترزح فيه البلاد تحت وطأة أزمة سياسية واقتصادية حادة، ما جعل العديد من المتداخلين في إدارة الشأن العام الوطني يتقدمون بمبادرات لحلحلة الأزمة، لكن الأطياف اليسارية تكاد تُجمع على ضرورة ’’إسقاط منظومة الحكم الحالية‘‘ كشرط لإحداث التغيير المنشود. تونس- تكشف تحركات لحزب العمال اليساري في تونس ورئيسه حمة الهمامي وعدد من الوجوه اليسارية البارزة عن مساع لإحياء روح المبادرة داخل اليسار الذي عاش انتكاسة في الانتخابات الماضية حيث لم يحصد سوى مقعد واحد في البرلمان من مجموع 217 مقعدا وانهزم مرشحوه للرئاسة، وذلك في وقت تتزاحم فيه المبادرات لحل الأزمة التي تمر بها البلاد. وتواترت منذ أيام تحركات الهمامي وحزبه في مسعى للفت النظر إليه بالرغم من أنه لم يغادر مربع الاحتجاج في علاقة بخطه السياسي، حيث دعا في وقت سابق من هذا الشهر التونسيين إلى ثورة جديدة ضد ’’منظومة الحكم الحالية‘‘. وسلطت هذه التحركات الضوء مجددا على مخاوف من الطيف اليساري من أن تنحسر اللعبة السياسية في تونس على الاستقطاب الثنائي بين الدساترة، وهم الأشخاص أو الأحزاب المتفرعة عن الحزب الاشتراكي الدستوري، الذي حكم تونس خلال حكم مؤسس الدولة الوطنية الزعيم الحبيب بورقيبة، ثم في ما بعد خلال فترة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وتمثلهم اليوم عبير موسي والحزب الدستوري الحر والإسلاميون المنضوون تحت حركة النهضة الإسلامية وأذرعها. وكشفت هذه التحركات، التي كان أبرزها ندوة عُقدت الجمعة الماضية بالعاصمة التونسية تحت عنوان ’’لترحل منظومة الحكم‘‘، النقاب عن ’’مقترح جديد لتوحيد التيارات اليسارية في إطار قطب اجتماعي يملأ الفراغ الموجود‘‘. وبالرغم من أن هذه الندوة ضمت وجوها بارزة على غرار الهمامي وعُبيد البريكي، وهما خصمان يساريان تنافسا في الانتخابات الرئاسية الماضية ما يؤشر على وجود مساع جدية للتجميع، غير أن غياب أحزاب يسارية وازنة في البلاد على غرار حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (الوطد) والتيار الشعبي وغيرهما يُثير تساؤلات جدية بشأن فرص هذه المحاولات لإنهاء حالة التشرذم التي يعرفها اليسار. ولم ينجح اليسار التونسي في استثمار فشل الأحزاب الحاكمة منذ 2012، وهو التاريخ الذي توحدت فيه الأحزاب اليسارية في إطار ائتلاف الجبهة الشعبية الذي ضم 11 حزبا يساريا، حيث مُني بهزيمة قاسية في انتخابات 2019 ولم يجمع مرشحوه للرئاسية (وهم ثلاثة) 3 في المئة من أصوات الناخبين. ويُرجع متابعون هذه الحصيلة السلبية وحالة الانقسامات التي آل إليها الوضع داخل اليسار في تونس إلى معارك ’’الزعاماتية‘‘ التي قادت إلى تفكك ائتلاف الجبهة الشعبية قبيل الاستحقاق الانتخابي الأخير. ومع تأزم الأوضاع داخل البلاد التي تشهد أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية غير مسبوقة يحاول اليساريون في تونس ترتيب الأوضاع داخل بيتهم من خلال الالتقاء حول عدد من المبادئ أبرزها الدعوة إلى إسقاط ’’المنظومة الحالية‘‘ وإنجاز إصلاحات عميقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وقال الهمامي ’’منظومة الحكم مطالبة بالرحيل خاصة أن تونس تعيش أزمة سياسية وتصارع الرئاسات الثلاث‘‘. وأوضح ’’الهدف من مبادرتنا إسقاط المنظومة الحالية وبناء منظومة جديدة تعمل من أجل صهر نضالات الشعب في تيار واحد وموحد‘‘. ووفقا لمراقبين، يبدو أن هناك شبه إجماع حول ضرورة توحيد الصف اليساري في تونس لمواجهة التحديات الراهنة رغم أنه لم يقم بمراجعات ذاتية كفيلة بالعودة بقوة إلى المشهد السياسي. وقال محسن النابتي الناطق الرسمي باسم حزب التيار الشعبي، وهو من الأحزاب القومية وأحد مكونات ائتلاف الجبهة الشعبية في وقت سابق، إن ’’الحزب يمد يده لكل محاولات التجميع من اليسار والقوميين والوطنيين وغيرهم‘‘. وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن ’’تونس تعيش أصعب أزمة منذ الاستقلال لذلك توحيد الجهود مطلوب.. نحن في التيار الشعبي نعتبر أن المعركة اليوم معركة وطن؛ هناك جماعة دمرت الدولة ومقدراتها الاقتصادية بالكامل، ودمرت مؤسسات الدولة حيث تم اختراق القضاء والأمن وغيره، إذا اليوم معركة دولة وطنية ضد مجاميع تخريب الدولة الذين تمثلهم جماعة الإخوان المسلمين التي تمثلها بدورها حركة النهضة وكل من قبل التحالف معها‘‘. وتابع النابتي ’’نحن في حوار مستمر مع القوى اليسارية وسيتواصل الحوار ونحاول تسريع وتيرته. لدينا أيضا اتصالات بشخصيات وطنية من الطيف العروبي واليساري والوطني لخلق حالة وطنية هدفها ليس الانتخابات فحسب بل إسقاط هذه المنظومة.. يجب أن نفرض تغييرا شاملا‘‘. وبالرغم من أن هناك مكونات يسارية رفضت التعليق أصلا على المبادرات الرامية لتوحيد هذه العائلة السياسية، إلا أن الهمامي يشدد على أنه وحزبه والعديد من الأطراف الأخرى ماضية في توحيد اليسار. وقال رئيس حزب العمال في تصريح لـ”العرب” ’’إن تجربة الجبهة الشعبية انتهت. مثل هذه التجارب تأتي لقيادة مرحلة فقط كما حدث في الجبهة الشعبية الفرنسية بين سنتي 1936 – 1938. نحن ندفع اليوم نحو تكوين قطب جديد يجمع القوى اليسارية لأن مكان اليسار واضح في المشهد الذي يتصدره اليوم صراع يميني يميني بين النهضة وحلفائها وأطراف أخرى أو مع من يحنون للنظام السابق (نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي)‘‘. وأوضح الهمامي ’’نحن نستعد لإحياء ذكرى الثورة التي سُرقت من التونسيين، ولذلك يجب إطاحة هذه المنظومة التي برزت فيها أطراف كانت قبل الثورة تدعم بن علي وبعدها دعمت منظومة الحكم الحالية‘‘. سلطت التحركات الضوء مجددا على مخاوف من الطيف اليساري من أن تنحسر اللعبة السياسية في تونس على الاستقطاب الثنائي بين الدساترة وفي مواجهة الأزمة الحادة التي تمر بها تونس، تدفع العديد من القوى والمنظمات بدعوات للحوار من أجل تبني إصلاحات كبيرة في المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، لكن الأحزاب اليسارية ترفض ذلك بدعوى أن الحوار سيكون فرصة لـ’’تبييض الأطراف المورطة في تدهور الأوضاع‘‘ في البلاد. ويقول الهمامي ’’حتى دعوات الحوار الوطني اليوم هي دعوات لإنقاذ المنظومة الحالية.. ومبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل (مبادرة أطلقتها المركزية النقابية مؤخرا) محكوم عليها بالفشل بالرغم من أنها مست جوانب اقتصادية وسياسية لأنه مع من ستتحاور؟، مع من أوصلوا البلاد لأزمتها الراهنة‘‘.

مشاركة :