د. عبدالله الغذامي يكتب: القوة الناعمة «المرأة والسرد»

  • 1/8/2022
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

احتل الشعر في مطالع الثقافات كلّها مكان الفحولة، وظل الشعر في الثقافة العربية فحولياً حتى زمن نازك الملائكة، حيث كان الدور الفارق لنازك هو تحطيم النسق الشعري الفحولي عبر قصيدة التفعيلة بشراكة مع السياب، حيث نشأ نسق شعري مختلف، إيقاعاً وصياغةً وتأسس خطاب شعري ذو طابع نوعي يبتعد عن فحولة القصيدة، ويؤسس لنص انفتح على المتغيرات الحداثية، وقد توسعت في بحث هذه النقلة النوعية في كتابي «تأنيث القصيدة»، وهذا ما يخص الشعر الذي ظلت فحولته تحتل الذاكرة الشعرية ومازالت فعّالة حتى اليوم رغم التحولات الثقافية القوية، ولكن قوة النسق الفحولي لها من الصلابة والترسخ ما يجعلها تعاند المتغيرات. وفي مقابل ذلك، فقد كان السرد هو أداة التعبير المؤنثة وكانت الثقافة الفحولية تحقر السردية، ولذا وصفوا «ألف ليلة وليلة» بأنها لا تصلح إلا للأطفال والنساء وصغار العقول وتبعاً لهذا التحيز الثقافي فقد تفاخر الفحول بتدوين الشعر، وتوجوا المدونات الشعرية بأسمائهم مثل الأصمعيات والمفضليات، وحماسة أبي تمام، ويتيمة الثعالبي وغير ذلك كثير، بينما جاءت مدوّنة ألف ليلة وليلة غفلاً من أسماء مدونيها، والراجح أن المدونين كانوا رجالاً، وهذا ما ملت إليه في دراستي للنص، وعلامة ذلك ما يكشفه التدوين من ثغرات تفضح تحوير القصص وقلبها لتكون ضد النساء مثل الحكاية المعنونة بـ «كيد النساء»، بينما صلب الحكاية يكشف أن الكيد في تلك القصة كان مصدره الرجل ولم تكن بطلة الحكاية هي من كادت أو تآمرت، ولكن دور التدوين هو الذي حرف الصيغة لتظهر ضد المرأة، وتحليل النص يكشف هذه الثغرة الأسلوبية، والقضية فيما يخص فكرة القوة الناعمة تأتي من مهارة شهرزاد في توظيف السرد لكي تروض الوحش لتمدد زمن حياتها وتحمي نفسها من بطشه، والنص في صلبه هو انتصار للتأنيث عبر استخدام القص كسلاح دفاعي يحمي ويدفع الضرر المتربص بكل امرأة في الظرف الذي تولدت فيه حكايات ألف ليلة وليلة، ولكن انتصار المرأة الساردة لم يمر دون معاندة عنيفة من النسق الفحولي الذي ظل في أزمنته الماضية يحاصر العمل، ويضيق فرصه في الوصول لمقام يستحقه في ذاكرة الثقافة وظل في موضع دوني لا يصلح إلا للأطفال وصغار العقول والنساء، وهذا الحكم هو عقوبة ثقافية على النص المتمرد الكاسر لجبروت الفحل، وتكرر ذلك مع أول ظهور قصيدة التفعيلة، إذ تعرضت نازك الملائكة لقمع شديد ضد نصوصها أولاً ثم ضد نظرياتها النقدية بعد ذلك، ولم يك الهجوم من المؤسسة التقليدية فحسب، بل من رموز الحداثة أيضاً الذين لم يهن عليهم أن تظهر نازك كناقدة تنقد شعراء الحداثة وتطرح نظريتها في الإيقاع وفي كتابة النص الشعري، ومهما اختلفنا مع عدد من مقولات نازك، لكن الأمر حينذاك لم يكن مجرد اختلاف مع أفكار، بل تجاوز ذلك لتأتي أحكام تشبه أحكام الأوائل على نص ألف ليلة وليلة، حيث ظهر في الخطاب الناقد لفكر نازك ما يشير إلى التقليل من العقلية البحثية للباحثة كما للشاعرة نازك، ولكن نازك قاومت التحديات وواجهت الموقف عبر توظيف الحجاج الفكري كما يتجلى في كتابها «قضايا الشعر المعاصر»، الذي هو كتاب في التحدي الثقافي وقوةٌ ناعمة، ولكنها هذه المرة قوة فكريةٌ تكمل سردية شهرزاد في كونهما معاً قوةً ناعمة تعزز موقف المرأة في مواجهة الوأد المعنوي الذي هو وجه آخر للوأد الحسي.

مشاركة :