لم أستطع استساغة الموقف الاوغندي الرافض لتصدير الأيدي العاملة/العاطلة في بلادها لتأخذ الفرص الوظيفية التي تمنحها هذه البلاد لها. وزاد من صعوبة الاستساغة توصيف الموقف في بعض صحافتنا المحلية "بالغضبة الأوغندية" علينا. بل بالعكس أتى الموقف الاوغندي بشكل مسيء لبلادي وثقافة أبنائها وتصويرهم كهمج لا يعرفون التعامل مع العمالة المنزلية. ويتزامن مع هذا الموقف المريب في توقيت تشويه الصورة للمملكة مع موقف أكثر شركات ومكاتب الاستقدام والتي تعزز تلك الصورة برغبتها في وضع بعض ارباب العمل والأسر السعودية في قوائم سوداء لسوء تعاملهم مع تلك العمالة وغيرها. أود أن اقف قليلا عند اختيار أوغندا كبلد مصدر للعمالة المنزلية للمملكة.. وهل كان اختيارا موفقا أم لا؟ تجيب عن هذا سيدة سعودية عاملة تدفع ثمن تخبطات مكاتب الاستقدام وشركاتها التي باتت هي المسيطرة على لعبة شبهة الاحتكار في ثوب السوق المفتوح.. تقول هذه السيدة ما هو العنصر المشترك مع هذه العمالة الوافدة من أوغندا والتي ستعيش معها، وبعيدا عن المشترك الإنساني بيننا؟ فلا يوجد اتصال لغوي ولا مشترك ثقافي وتفاوت في استخدام منتجات العصر وتكاليف تلفها.. وفوق هذا أتت عبر منظومة تشويه لسمعة بلادنا وأهلها من خلال منظومة مكاتب سمسرة واتجار بالبشر وندفع بعض ثمن لعبتها. هل كانت محقة الصياغة الصحفية من الغضبة الأوغندية علينا، أم أن الغضب الحقيقي يجب أن يكون على من فتح باب الاستقدام من تلك الدولة التي لم تعمل على تهيئة عمالتها لرحلة العمل الجديدة؟ فنحن لم نستقدم من سيعملن في منتجعات سياحية بل قدمن كعاملات منزليات وفق شروط وضوابط محددة. لقد سئمنا من تشويه صورتنا كبلد ومواطن وأسرة سعودية عبر مكاتب تجلب المرضى النفسيين وبعض المجرمين وتلحقهم بوظائف في بلادنا، وفي ظل سفارات لا تقوم بواجبها كما ينبغي في ضبط تدفق تلك النماذج التي ترتكب الاعمال المخلة بشروط التعاقد، او ترتكب جريمة ويتم تصويرها في الاعلام العالمي كاعتداء من مخدومتها او الأسرة السعودية. أنا لا أبرئ ساحتنا من الأخطاء وربما العنف، ولكن خطأ الفرد يجب أن يعاقب لا أن تمس صورة بلادي وأبناء وطني بتشويه. فنحن نستقدم العمالة المنزلية وبكثرة منذ أربعة عقود وربما أكثر. ولم تظهر تلك الافرازات الا مع ظهور مكاتب محلية ترتبط بسماسرة في دول المصدر. وتنامت معها منظومة فساد تفوح روائحها في كل مكان ولم تكشفها "نزاهة" أو تقارير من السفارات. أقف متعجبا من قدرة تحملنا لهذا الواقع المسخ الذي ينتفع فيه القليل ويتم فيه تشويه الجميع. لا بد من وقفة أمنية وثقافية وربما دبلوماسية لمراجعة تلك البؤر التي تشوه صورة البلاد من خلال استقدام وتصدير الأيدي العاملة. فيتم وقف استقدام أي عمالة صدرت من دولها مواقف تسيء لبلادنا، وفتح المجال لدول أخرى. والأهم عتق المواطن من رق واحتكار شركات استقدام الايدي العاملة حتى عبر المكاتب الخليجية التي طرحت في مجلس الشورى. أعرف أن هناك من سيقف ضد هذا الكلام. ولكن الذي يهمنا جميعا سمعة بلادنا وسمعتنا وصورتنا كمواطنين. ولا نريد لدولة تصدر عمالة غير متواءمة مع ثقافة العمل المنزلي أن تشوه سمعتنا أو حتى تفكر بغضبة منا أو علينا. بل نشكرها إن استمرت في وقف تصدير عمالتها للأبد. بقي الشق الآخر وهو مطالبة شركات الاستقدام بوضع ارباب العمل المخل بشروط التعاقد في قوائم سوداء. والوقفة هنا ما هي معايير وضع الأسماء في تلك القوائم؟ وهل تأتي من مكتب تلك الشركات أم هي من الأجهزة الأمنية التي تفض الخلاف وربما عن طريق التمثيل القانوني من سفارة العامل الوافد؟ نحن في هذه البلاد الإسلامية لدينا منظومة قيم وشرائع تكفل حقوق الناس وحقوق التعاقد، وكما يؤكد على تلك القيم والأسس قادتنا في كل حديث ومناسبة واتفاقية ذات صلة مع الدول المصدرة للعمالة. لكن بقي أن نطالب بوضع شركات الاستقدام في قوائم سوداء بل وشطب سجلات من صدرت من خلالها او عبر تعاقداتها ما يقود الى تشويه صورة البلاد وأهلها. فلقد سئمنا من لعبة الاستقدام ومن تشويه صورة بلادنا وصورتنا من هذه الشركات او المصادر غير المجدية. ختاما نقول ان ثمرة الامل تمثلت في فساد العمل وتؤكد لنا يوما بعد يوم أن "من لم يوقن بالجزاء أفسد الشك يقينه". draltayash@yahoo.com
مشاركة :