نفى الرئيس التونسي قيس سعيّد وجود قطيعة مع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي الذي التقاه السبت، مؤكدا استعداده للعمل مع الأطراف التي قال إنها "مستعدة للنقاش وللمفاوضة ولصنع تاريخ لتونس". ويحمل اللقاء بين الرئيس التونسي والأمين العام لاتحاد الشغل الذي يأتي للمرة الأولى بعد أكثر من ستة أشهر، إشارات إيجابية للتونسيين، خاصة بعد مواقف المنظمة النقابية الأخيرة التي غلب عليها التهديد والوعيد بشن إضرابات ستشل 80 في المئة من القطاعات. وقال سعيّد خلال مقطع مصور بثته الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية على فيسبوك إنه "لا يوجد جفاء مع الاتحاد، ودليل ذلك هذا اللقاء للحديث في الشأن الوطني العام"، مذّكرا بأنّ اللقاءات مستمرة بين الطرفين سواء كانت بصفة مباشرة أو عن طريق الهاتف. وذكّر الرئيس سعيّد بمكانة اتحاد الشغل ودوره النقابي والوطني في الداخل والخارج، مشيدا بمواقفه المتضامنة مع قضايا التحرر العربية، وخاصة القضية الفلسطينية. وأكد سعيّد في ذات اللقاء أنه يرحب بالحوار مع الأطراف المستعدة للنقاش وللمفاوضة لصنع تاريخ تونس، لكنه يرفض الحوار مع من أسماهم بـ"اللصوص". وشدد على مواصلة نهجه بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها في الخامس والعشرين من يوليو، وجمد بمقتضاها أعمال البرلمان كما علّق العمل بأجزاء من الدستور. وقال "نحن مستمرون وثابتون ولا تهزنا الأراجيف والأكاذيب التي دأب عليها الكثيرون". وقال الطبوبي إنه تم التأكيد خلال اللقاء على أنه "لا يمكن بناء المرحلة الحالية إلا في إطار تضامن وطني حقيقي"، وعلى أنه "لا يمكن بناؤها بالفعل وبردة الفعل، وعلى ضرورة التحلي بالهدوء والحكمة والتعقل". وشدد على أن "تونس تهم كل الأطراف ولا يمكن بناؤها إلا في إطار تشاركي، والمعركة اليوم هي معركة اقتصادية واجتماعية، وأيضا سياسية، وأهل السياسة هم من يؤطرون المجتمع". وأكد الطبوبي أنه "يرجو أن تكون الفترة المقبلة فترة وعي حقيقي لبناء وحدة وطنية حقيقية على قاعدة الوطنية وعلى قاعدة انتظارات الطبقات الفقيرة والمهمشة، إضافة إلى الشركات العامة". ويأتي هذا اللقاء في الوقت الذي تشهد فيه العلاقة بين الرئاسة والحكومة من جهة، واتحاد الشغل من جهة ثانية، توترا وخلافات، نتيجة سياسات وخيارات تتبعها حكومة نجلاء بودن لمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد يرفضها الاتحاد، وكذلك بسبب القرارات الأخيرة التي أعلنها الرئيس سعيّد، ويعتبرها الاتحاد متعارضة مع الحوار الوطني الذي دعا إليه، وتهميشا لدوره في الفترة المقبلة. ويدعم اتحاد الشغل، المنظمة العمالية ذات النفوذ الواسع في البلاد، القرارات التي أعلنها سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو، وقام بمقتضاها بتجميد أعمال البرلمان وتجريد أعضائه من الحصانة البرلمانية وإقالة الحكومة، كما يؤيد القطع مع المنظومة السياسية التي حكمت البلاد خلال العشرية الماضية بقيادة حركة النهضة. وانتقد الاتحاد في بيان الجمعة الائتلاف الحاكم بقيادة ما أسماه بالإسلام السياسي، مشيرا إلى وجود خيبة أمل لدى التونسيين بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية طيلة العشرية الماضية. وشدّد، وفق بيانه، على رفضه العودة إلى منظومة ما قبل الخامس والعشرين من يوليو، لكنه عبّر عن هواجسه مما وصفه بحالة الضبابية، رغم إعلان الرئيس قيس سعيّد عن خارطة طريق وعن موعد إجراء انتخابات مبكرة في السابع عشر من ديسمبر 2022، معتبرا أن خارطة الطريق بحاجة إلى "تصويب وتدقيق". كما عبّر الاتحاد، في بيانه، عن هواجسه مما اعتبره "غيابا للحلول العاجلة وتجاهلا للنهج الحواري والتشاركي بين الأطراف الوطنية المتبنية لتغيير الخامس والعشرين من يوليو، من منظمات وطنية وأحزاب سياسية وشخصيات وطنية". وقال إنّ "من شأن تلك الأطراف أن تساهم جميعا في وضع التصوّرات التي ستقدّم في استفتاء شعبي، لإنهاء الأزمة السياسية وتعزيز ممارسة الحريات العامة والفردية دون قيود، وتكريس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية". وانطلقت مطلع الشهر الحالي الفترة التجريبية للمنصة الإلكترونية لاستشارة التونسيين في محاور تتعلق أساسا بالشأن السياسي والانتخابي والشأن الاقتصادي والمالي والتنموي، فضلا عن التحول الرقمي والتعليم والثقافة والوضع الاجتماعي والصحة وجودة الحياة، كما يتضمن كل محور أسئلة مع مساحة للتعبير. وأثار إطلاق المنصة الإلكترونية لاستشارة المواطنين، التي دعا إليها الرئيس سعيّد في ديسمبر الماضي، حول جملة من الإصلاحات جدلا واسعا في الأوساط السياسية ومنظمات المجتمع المدني في البلاد، حيث دعت حركة النهضة الإسلامية والأحزاب الملتفة حولها إلى مقاطعتها، كما دعت منظمة "أنا يقظ" أيضا إلى نفس الموقف. وانتقد الرئيس التونسي، على هامش اجتماع مجلس الوزراء بقصر قرطاج، خروج مناصري حركة النهضة الإسلامية وبعض الأحزاب اليسارية الجمعة في ذكرى الرابع عشر من يناير تاريخ مغادرة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي لتونس تحت وقع الاحتجاجات، قائلا إن "من خرجوا يوم أمس (الجمعة)، يظنون أنهم سيحلون محل النظام على أن تبقى المنظومة السابقة قائمة تنكل بالشعب التونسي في كل المجالات". وأضاف أن "الدولة التونسية واحدة وقوانينها واحدة، ولن يتم التسامح مع كل من يحاول إسقاطها أو توظيف مرافقها التي يجب أن تظل عمومية ومحايدة". ولم تتمكن حركة النهضة كالعادة من تعبئة الشارع، حيث لم يتجاوز عدد المشاركين في تظاهرة الجمعة 1200 شخص حاولوا تجاوز الحواجز الأمنية والاعتداء على رجال الأمن، مما دفع الشرطة إلى استخدام خراطيم المياه لتفريقهم.
مشاركة :