الكِتَابة في عُرف العُقلَاء؛ والأُدبَاء والحُكمَاء؛ هي حِرفة مِن ضِمن الحِرَف، لَيس لَها أي قُدسيّة، ولا تَمتلك أي ميزَة، تَجعلها أفضَل مِن غَيرها مِن المِهن..! ولَكنِّي أُلاحظ -مُنذ سَنوَات- أنَّ هُنَاك كُتّاباً يُحاولون أنْ يَصبغوا مِهنة الكِتَابة؛ بهَالةٍ كَبيرةٍ مِن التَّقديس، وأوصَافٍ كَثيرةٍ مِن التَّهويل والتَّضخيم، وكَأنَّ الكِتَابة حَالة مِن حَالَات الوَحي، ولَحظة مِن لَحظات التَّجلّي والإلهَام، التي لا تَأتي إلَّا لأصحَاب الكَرَامَات..! عِندَما كُنتُ كُويتبًا صَغيرًا، "أتشعبط" في أُولَى دَرجات السّلّم الكِتَابي، كُنتُ أَظن أنْ الكِتَابة طَقس، وحَالة مِن الغيبُوبَة البَيضاء، التي لا فَاصلة فِيها؛ ولَا عَلَامة تَعجُّب..! ثُمَّ اخشَوْشَنَت أظَافري الكِتَابيّة قَليلاً، واستوَى عُودي الرنّان، فاعتَنقتُ فِكرة أكثَر تَضليلاً مَفادها: أنَّ الكِتَابة صَوت الرّوح المُنبَعث مِن تَضاريس الجَسَد، المُنبثق من بدَايات الحُزن؛ النَّابع مِن دَهشة اللَّحظة..! بَعد ذَلك عَاشرني وَهمٌ آخَر -وأنَا في عُذريتي الكِتَابيّة- فاستَمْرَأتُ الغيبوبَات والأوهَام، لأُجزم بأنَّ الكِتَابةَ طَهارةٌ ومَاءٌ؛ يَغسلان الجَسَد مِن وَسخ الدُّنيا، المُتمثّل بالمَال.. و"جنَابة" الرّوح المُلوّثة بالحَسَد.. ودَنس الحيَاة؛ المُتمثّل بالرِّيَاء والحِقد والكَراهية..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي القَول: يَا قَوم لا تُضخّموا مِن شَأن الكِتَابة، فهي لَيست أكثَر مِن وَرقةٍ وقَلَمٍ؛ ورَأسٍ يُفكِّر، وكُلّ القَضيّة تَكمن في الرّأس، ولقَد صَدَق أُستَاذنا السَّاخِر "جُورج برنَاردشو"؛ حِين سَأله الصَّحفي كَيف تَكتب؟ فقَال: الكِتَابة بكُلّ بَساطة؛ أنْ أَجلس أمَام الوَرقة والقَلَم، وأكتُب مَا يَدور في رَأسي. فردّ عَليه السَّائِل بقَوله: وأنَا أَفعَل مِثل فِعلك كُلّ يَوم، وأكتُب مَا يَدور في رَأسي.. حِينها ضَحك "برناردشو" قَائلاً: ولَكن مَا يَدور في رَأسك؛ غَير الذي يَدور في رَأسي..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (20) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :