تواصل – فريق التحرير يصادف اليوم 22 جمادى الآخرة، العديد من الأحداث التاريخية، وفي هذه الفقرة تسلط “تواصل” الضوء على أبرز هذه الأحداث. 13هـ تولي الفاروق عمر بن الخطاب الخلافة في مثل هذا اليوم 22 جمادى الآخرة من عام 13 هجرية الموافق 23 أغسطس سنة 634م، تولى الخلافة أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي، ولٌقب بالفاروق لتفريقه بين الحق والباطل، وهو ثاني الخلفاء، وأحد المبشرين بالجنة، وصاحب الموافقات، والذي فتح في عهده بلاد الشام بأكملها، وبلاد فارس، ووصل المسلمون لما وراء النهر، وفتحت في عهده مصر. الفاروق عمر بن الخطاب هو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، العدوي القرشي. سبقه شقيقه الصحابي زيد بن الخطاب والذي سبق في الإسلام وقتل يوم اليمامة. ويجتمع نسب الفاروق مع الرسول صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي بن غالب. أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة، ابنة عمّ أم المؤمنين «أم سلمة»، وابنة عم سيف الله المسلول «خالد بن الوليد». ولد الفاروق بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة سنة. سكن منزله في أصل جبل كان في الجاهلية «جبل العاقر»، يقال له اليوم «جبل عمر»، وامتاز عن معظم رفاقه من أهل قريش بتعلم القراءة، والشدة في الحق، وعمل راعيًا للإبل وهو صغير. رعى الفاروق لوالده – الذي كان يعامله بغلظة – ولخالات له من بني مخزوم، وبرع في المصارعة، وركوب الخيل والفروسية، وكان ممن يجيد حفظ الشعر. حضر أسواق عكاظ ومجنة وذي المجاز، فتعلم التجارة، وعمل بها فربح منها، وأصبح من أغنياء مكة، رحل إلى بلاد الشام صيفًا وإلى اليمن شتاءً. وكلفته قريش بأعمال السفارة ليمثلها ويتكلم بلسانها مرات؛ لما وقعت حرب مع غيرهم. إسلام عمر عاد عمر بن الخطاب الإسلام في بداية الجهر بالدعوة كأكثر أهل قريش، وأذى المسلمين، عذِّب جارية له علم بإسلامها من أول النهار حتى آخره، ولما تركها نهاية اليوم قال: “والله ما تركتك إلا ملالةً”، جنّد نفسه بتتبع النبي صلى الله عليه وسلم أينما ذهب، وكلما دعا واحدًا إلى الإسلام أرهب عمر المدعو؛ وأرغمه أن يفر من الدعوة. بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة تخوف عمر من تشتت أبناء قريش، وانهيار القبيلة العريقة، فقرر قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وتقديم نفسه لبني هاشم ليقتلوه به، فتتخلص قريش مما يهددها. فبينما زوجة عامر بن ربيعة حليف بني عدي، تعد نفسها للهجرة إلى الحبشة، رآها عمر، فقال لها كلمة شعرت من خلالها رقة في قلبه لم تعهدها؛ فرأت أن الإسلام أصبح قريبًا من عمر، حين قال لها: “صحبكم الله”، فأخبرت زوجها بما رأت وسمعت، فرد عليها بقوله: “أطمعت في إسلامه؟” قالت: “نعم”، فرد عليها زوجها بقوله: “فلا يسلم الذي رأيتِ حتى يسلم حمار الخطاب”. ولأنه كان باحثًا عن الحق بطبعه؛ اشتعل صراعًا نفسيًا حادًا في نفسه، وحدثه قلبه بأنه قد يكون هؤلاء الناس على صواب، وتعجب لثباتهم فيما يتعرضون له، والنبي هو الصادق الأمين باعتراف أعدائه من قريش. وذات يوم بعد إسلام «حمزة بن عبدالمطلب»، أهان أبا جهل إهانة شديدة أمام جمع من قريش، لما سمع عمر؛ وقد كان أبو جهل خال عمر بن الخطاب، سن سيفه وخرج من داره قاصدًا النبي صلى الله عليه وسلم لقتله، فلقيه في الطريق «نُعَيم بن عبد الله العدوي» وكان من المسلمين الذين أخفوا إسلامهم، فقال له: “أين تريد يا عمر؟”، فرد عليه قائلا: “أريد محمدا هذا الصابي الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها فأقتله”. فلمّا عرف أنه يتجه لقتل النبي قال له: “والله لقد غرتك نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ فإن ابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب قد والله أسلما وتابعا محمدًا على دينه؛ فعليك بهما”. فانطلق إليهما سريعًا مغاضبًا، فوجد الصحابي «خباب بن الأرت» يجلس معهما يعلمهما القرآن، فضرب «سعيدًا»، ثم ضرب شقيقته «فاطمة» ضربة قوية شجت وجهها، فسقطت منها صحيفة كانت تحملها، وحين أراد عمر قراءة ما فيها أبت أخته أن يحملها إلا أن يتوضأ، فتوضأ عمر وقرأ الصحيفة، وكان فيها آيات من سورة طه؛ فاهتز جسد عمر وقلبه، وقال: “ما هذا بكلام البشر” وأسلم من ساعته، وذلك في أحد أيام ذي الحجة من السنة الخامسة من البعثة، وكان ذلك بعد إسلام أسد الله «حمزة بن عبد المطلب» بثلاثة أيام، وكان عمره ساعتها قريب من الثلاثين سنة، فخرج عمر إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم، حيث يجتمع النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وأعلن إسلامه هناك. جهره بالإسلام جاهر عمر بالإسلام ولم يخش أحدًا، وكان المسلمون يخفون إيمانهم في مكة خوفًا من تعرضهم للأذى، وبعد إسلام عمر وحمزة؛ وجد المسلمون من يدافع عنهم ويحميهم، ولم يرضَ بأداء المسلمين الصلاة في شعاب مكة بعيدين عن أذى قريش، بل فضل مواجهة القوم بكل عزم، فقام وقال للنبي: “يا رسول الله ألسنا على الحق؟”، فأجابه: “نعم”، قال عمر: “أليسوا على الباطل؟”، فأجابه: “نعم”، فقال عمر بن الخطاب: “ففيمَ الخفية؟”، قال النبي: “فما ترى يا عمر؟”، قال عمر: “نخرج فنطوف بالكعبة”، فقال له النبي: “نعم يا عمر”، فخرج المسلمون لأول مرة يكبرون ويهللون في صفين، صف على رأسه الفاروق عمر بن الخطاب، وصف على رأسه أسد الله حمزة بن عبد المطلب وبينهما النبي محمد، حتى دخلوا وصلّوا عند الكعبة. ومن بعيدٍ نظرت قريش إلى عمر وحمزة يتقدمان المسلمين، فَعَلتْ وجوهَهُم كآبة شديدة، يقول عمر – رضي الله عنه – “فسماني رسول الله ﷺ الفاروق يومئذٍ”. مثل إسلام عمر نقلة وحدثًا بارزًا في تاريخ الإسلام، فقد قوّيت شوكة المسلمين بوجود عمر في صفهم، وبات للمسلمين من يُدافع عنهم ويحميهم من أذى من أهل قريش، ويسجل التاريخ أقوال للصحابة تسجل فرحتهم بإسلام عمر، قال صهيب الرومي: “لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودُعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به”، وقال عبد الله بن مسعود: “ما كنا نقدر أن نصلّي عند الكعبة حتى أسلم عمر»، و:«ما زلنا أعِزَّة منذ أسلم عمر”. هجرة عمر هاجر معظم الصحابة إلى يثرب بعد أمر النبي لهم بالهجرة، وخرجوا سرًا، خوفًا من أن يعتدي عليهم أحد من قريش، إلا عمر لبس سيفه ووضع قوسه على كتفه، وحمل أسهمًا وعصاه القوية، وراح إلى الكعبة فطاف سبع مرات، وتوجه إلى مقام إبراهيم فصلى، ثم قال للمجتمعين من المشركين: “شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده أو يُرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي”. فلم يتبعه أحد. ولما وصل المدينة المنورة آخى النبي محمد بينه وبين أبي بكر، وقيل بينه وبين «عويم بن ساعدة الأوسي»، وقيل «عتبان بن مالك الخزرجي»، وقيل «معاذ بن عفراء الخزرجي»، وقال بعض العلماء أنه لا تناقض في ذلك لاحتمال أن يكون الرسول قد آخى بينه وبينهم في أوقات متعددة، وشاهد كل المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم. وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وشاع الخبر، اضطرب المسلمون اضطرابًا شديدًا، وذهل بعضهم فلم يصدق الخبر، وكان عمر منهم، فقام يقول: “والله ما مات رسول الله ﷺ”، فقد كان يعتقد بعدم موته تمام الاعتقاد، حتى إنه قال في رواية أخرى: “والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك”، أي لا أعتقد إلا أنه لم يمت فعلًا، ثم قال عمر: “وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات”. وفي رواية ثانية يقول: «إن رجالًا من المنافقين يزعمون أن رسول الله تُوُفِّي، إن رسول الله ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات»، حتى جاء أبو بكر ودخل بيت عائشة، وكشف عن جثمان النبي صلى الله عليه وسلم وجثى عليه يُقبله ويبكي، وخرج أبو بكر إلى المسجد حتى أتى المنبر، فوجد عمر يقول ما يقول، ويقسم على أن النبي لم يمت، فقال: «أيها الحالف على رِسْلِك»، وفي رواية أخرى قال له: “اجلس يا عمر”. فجلس عمر وجلس الناس، فتشهد أبو بكر وحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ آية من آيات سورة آل عمران: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾. وعندما تلا أبو بكر الصديق الآية سمعها عمر والمسلمون؛ كأنهم لم يسمعوها من قبل، وقال أبوبكر: “ألا من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”. ولما سمع عمر كلام أبي بكر، وأيقن حق اليقين أن الرسول قد مات، هوى على ركبتيه يبكي، وفي هذه النقطة قال عمر: “والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعُقِرْت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي قد مات”. في عهد الصديق اجتمعَ الأنصار في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول؛ ليبايعوا «سعد بن عبادة» خليفة من بعده، ولما سمع عمر ذلك ذهبَ على الفور إلى الصديق، وانضمَّ إليهما أمين الأمة «أبو عبيدة بن الجراح» وساروا إلى السقيفة، وقال أبو بكر عندما دخل: “ما هذا؟”، فأجابوه “منّا أمير ومنكم أمير”، فقال: “منّا الأمراء ومنكم الوزراء”. ثم عرض عليهم أحد مرافقيه ليُصبَح الخليفة فقال: “لقد رضيتُ لكم أحد هذين الرجلين عُمَر وأبي عبيدة أمين هذه الأمة”. غير أن أحد الأنصار قال بصوتٍ عال: “أنا جُذَيلها المحنك وعُذَيْقُها المرجَّب، منّا أمير ومنكم أمير”، فتعالت الأصوات واللغط، واختلف الناس فيمن سيكون الخليفة، حتى قام عمر وقال: “أيّكم يطيب نفسًا أن يخلُف قَدَمَين قدّمهما النبي ﷺ؟”، ثمَّ قال لأبي بكر “ابسط يدك لأبايعك”، فبايعه عمر بن الخطاب، وتبعه الناس فبايعوه. جند الفاروق نفسه ليكون المساعد الأول لأبي بكر الصدِّيق، وساعده الأيمن ومستشاره طوال خلافته، ومستشاره العسكري الذي ساعده في القضاء على فتنة الردة. حتى قال أبو بكر الصديق مرة: “ما على ظهر الأرض رجل أحبّ إليَّ من عمر”. اختيار عمر للخلافة وفي مرض أبي بكر عندما اشتدَّ المرض عليه، جمع أبوبكر كبار الصحابة وقال لهم: “إنَّه قد نزل بي ما قد ترون، ولا أظنني إلا ميِّتًا، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحلّ َعنكم عقدي، وردَّ عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي”. فأخذ الصحابة الذين جمعهم يتعفَّفون، فيرى كل منهم في الآخر قدرة أكبر على تولي مسؤولية الخلافة، فعادوا إلى أبي بكر وقالوا له طالبين مساعدته باختيار الخليفة: “أرنا يا خليفة رسول الله رأيك”، قال: “فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده”. واستدعى كبار الصحابة فكلهم أجمع على عمر؛ فكتبَ العهد، وأمر أن يُقرَأ على الناس، فجمعهم، وأرسله مع أحد مواليه إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر للناس: “أنصتوا واسمعوا لخليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإنّه لم يألكم نصحًا”، فهدأ الناس وتوقَّفوا عن الكلام، ولم يعترضوا بعد سماع العهد. ثم جاءهم أبو بكر وقال: “أترضون بما استخلفتُ عليكم؟ فإني ما استخلفتُ عليكم ذا قرابة، وإنّي قد استخلفتُ عليكم عمرَ فاسمعوا له وأطيعوا، فإني والله ما آلوت من جهد الرأي”، فردَّ الناس: “سمعنا وأطعنا”. ثم أحضر أبو بكر عمر وقال له: “إنّي قد استخلفتك على أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم”، ثم أوصاه بتقوى الله، وخطبَ فيه خطبة قدَّمَ له فيها الكثير من الوصايا والنصائح. وتوفّي أبو بكر بعد ذلك بأيام، وعند دفنه وقف عمر وخطب في الناس قائلًا: “إنَّما مَثَل العرب مثل جمل آنف اتَّبعَ قائده فلينظر حيث يقوده، وأمَّا أنا فوربِّ الكعبة لأحملنَّكم على الطريق!”. فتولى الخلافة رضي الله عنه فكان ثاني الخلفاء الراشدين، الذي هو أحد كبار الصحابة، وأشهر القادة في التاريخ الإسلامي، وأكثرهم تأثيرًا ونفوذًا، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن أعلم الصحابة وزهّادهم، كان قاضيًا خبيرًا، واشتهر بعدله وإنصافه الناس من المظالم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وهو صاحب الموافقات حيث وافق الوحي رأيه في أحكام كثيرة، وينسب للفاروق تأسيسه التقويم الهجري. بلغ الإسلام في عهده مبلغًا عظيمًا، فاستوعبت دولته كامل أراضي الإمبراطورية الفارسية الساسانية وحوالي ثلثيّ أراضي الامبراطورية البيزنطية، فاتسعت رقعة الدولة المسلمة، وشملت العراق ومصر وليبيا والشام وفارس وخراسان وشرق الأناضول وجنوب أرمينية وسجستان، ودخل القدس تحت حكم المسلمين.
مشاركة :