«لماذا الانتحار قفزًا من الشرفة؟».. سؤال لا أملك قطعًا الإجابة عنه، وهو من شقين: الانتحار واختيار الوسيلة. ملكة جمال أمريكا لعام 2019 «تشيسلى كريست» انتحرت قبل يومين من الطابق الـ 29 فى نيويورك، سبق أن فعلتها سعاد حسنى قبل نحو 22 عامًا في لندن وانتحرت من الطابق السادس. أعلم أن مجرد إلصاق فعل الانتحار بإنسان يعتبر اتهامًا قاسيًا ينفيه عادة المقربون من المنتحر، ولكن هكذا قالت أجهزة التحقيقات في لندن عن سعاد حسني، ورفض النائب العام فى مصر تشريح جثتها بعد أن تشكك الورثة وعدد من الأصدقاء في الحادث، مؤكدين أنه بفعل فاعل، لماذا ننفي عادة الانتحار؟. الفعل في كل الأديان وليس فقط الإسلامي يعد كُفرًا، ولا تقام الصلاة على الكافر، ولا يرضى أهل الفقيد بهذه الصفة، ولهذا عادة ما يبحثون عن أسباب أخرى. لكن.. هل المنتحر يملك فى تلك اللحظة حق الاختيار؟!، الله يحاسبنا على الإرادة إذا فقد الإنسان إرادته أمام موقف يعيشه دفعه لفقدان توازنه ولجأ للانتحار كحل وحيد يراه أمامه فى تلك اللحظة، فهو لم يختر الانتحار، الانتحار هو الذى اختاره، فكيف يحاسب؟. هناك بعض القضايا الشائكة وتظل بلا إجابة، مثل ما تردد عن انتحار المشير عامر بتناول مادة سامة في عصير الجوافة، هل هي حقيقة أم مجرد تغطية لحقيقة الاغتيال؟.. لم تنته التحقيقات إلى شىء قاطع، والأعمال الدرامية التى تناولت حياة المشير لم تنف وأيضا لم تؤكد الواقعة، تركت الباب مواربًا أمام كل الإجابات. قائمة المنتحرين تشمل مئات من الشخصيات المتحققة فى مجالها، ولكنها وقعت تحت تأثير نفسى مؤقت، مثل هيمنجواى وفان جوخ وداليدا وروبين ويليامز ومارلين مونرو.. وغيرهم، لا أتحدث قطعا عن هتلر، الذى أطلق الرصاص على نفسه عامدا متعمدا، لأنه كان مدركا قطعا ما الذى سيفعلونه به قوات الحلفاء بعد الاستسلام. تظل الأسئلة الأخرى بلا إجابات شافية، لم ندر مثلا لماذا انتحرت امرأة جميلة تملك سلاحًا سحريًا معترفا به فى كل بلاد الدنيا، وهو الجمال، كما أن الوسيلة وهى القفز من الشرفة تطرح سؤالا، هل يحلم المنتحر فى تلك اللحظة بالصعود للسماء، أنها رغبة الروح فى الانطلاق لأعلى، بينما الجسد ينطبق عليه قانون الجاذبية الأرضية؟!. الانتحار.. هل هو جسد أم روح؟ تعوّد المنتحر أن يترك رسالة للورثة أو لأقرب الناس إليه توضح السبب، وتركت ملكة الجمال رسالة لأمها لم تُقدم فيها أى إشارة إلى معاناة دفعتها لهذا الفعل المستهجن فى العالم كله. الحضارة اليابانية استثناء تعتبر الانتحار بمثابة التطهر من الآثام، عندما يرتكب الإنسان جريمة أخلاقية فهو يعاقب نفسه بالطعن بالخنجر. ما الذى يتبقى الآن فى الحكاية؟، الانتحار لحظة تنغلق فيها كل الأبواب، يعيشها المنتحر. قالت لى الإذاعية الكبيرة فضيلة توفيق (أبلة فضيلة)، أمد الله فى عمرها، أنها التقت الفنان والشاعر الكبير صلاح جاهين قبل دخوله فى غيبوبة بأربع وعشرين ساعة، وقال لها إنه بسبب الريجيم القاسى الذى اتبعه بعد إصابته بالسكرى صار نصف صلاح جاهين، وأضاف: الحياة الثقافية مياهها راكدة، فقالت: وما الحل يا صلاح؟، أجابها: نلقى فيها حجرا، قالت له: كيف؟، أجابها: أنا هذا الحجر. الانتحار كان وسيظل لغزا، هل يندم المنتحر قفزا فى المسافة بين الأرض والسماء؟. [email protected] المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).