منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وما خلّفته من تداعيات، استمرت نظرة الريبة والشكوك لدى المجتمعات الأوربية والأميركية تلاحق كل عربي وكل مسلم. أصبحت هذه المجتمعات في كثير من حالاتها تنظر إلينا من خلال منظار الجريمة والدمار وقتل الأبرياء. هذه النظرة السوداوية تجاهنا جاءت بعد عقود طويلة من نظرة باسمة وترحيب كنا نقابل به في كل مكان ويعاملنا الآخرون معاملة احترام وتقدير، بل ويسعون إلى التودد والتقرب منا في كل محفل. ما الذي تغير يا ترى؟ ولماذا أصبحنا هكذا؟ اليوم بمجرد أن تطأ أقدام أي منا مطاراً أوربياً أو أميركياً نقرأ في عيون من نقابل نظرة (اللامرحبا)، نظرة من يعتقد أننا نلف حول أجسادنا أحزمة ناسفة أو نخفي تحت ملابسنا أسلحة رشاشة. في التفتيش وقبل ركوب الطائرة، وعند موظف الجوازات ترى الواحد منهم يرمقك بنظرة كلها شك وريبة وبالتالي يعاملك معاملة تختلف عن الآخرين. موظف الجوازات يلقي عليك نظرة استقرائية من وراء الزجاج لعله يجد لديك أي مؤشر أو تصرف يعزز ما لديه من انطباع. تراه يطلب منك البصمة تلو الأخرى ويقلب صفحات جوازك مستعيناً أحياناً بالمكبر للتعرف على الأختام والرموز. في مواقع أخرى خارج صالات المطارات تستمر مشاعر التخوف منا نحن العرب والمسلمين، وقد ترى أناسا ينظرون إليك ويتهامسون ويتمنون أن لا تقترب منهم أو تجلس بجانبهم، ولو ترك الواحد منا حقيبته المحمولة الصغيرة ناسياً بجانب مقعده في حديقة أو محطة قطار ليشرب من برادة الماء أو يشتري شيئا من الكشك المجاور فلا غرابة لو تنافر الناس من حوله وربما يستدعي أحدهم رجال الأمن للوقوف على الأمر خوفاً من أن تكون الحقيبة مملوءة بالمتفجرات. ما ذنبنا في كل يحصل لنا؟ هل فقط كوننا مسلمين تغيرت نظرة الآخرين لنا، وهل كل مسلم داعشي؟ لقد قلنا وكررنا بأن لا علاقة للإسلام بما يحصل من أعمال إرهابية وقتل وتفجير يقوم به الإرهابيون والدواعش في أي مكان. نحن أيضا اكتوينا بنارهم وتعرضت بلادنا لجرائم القتل والتفجير التي طالت حتى المساجد. مع كل حادثة جديدة تتعمق الجراح وتتسع دائرة الاتهام للإسلام والمسلمين بأنهم وراء كل ما يحصل، وما حدث مؤخراً من تفجيرات في باريس خير شاهد على ذلك. ومع الأسف أننا، وقبل أن تظهر نتائج التحقيق والتحري في الأحداث، سارعنا إلى نفي علاقة الإسلام والمسلمين بما حصل وكأننا نؤكد أننا موضع شبهة وأن أصابع الاتهام ستوجه إلينا في المقام الأول. ماذا لو استمر الوضع على ما هو عليه، بل وازداد سوءاً؟ هل سنرى مزيداً من التشدد والريبة والشكوك تجاه كل واحد منا؟ وهل سنرى، على سبيل المثال، في المطارات مسارات، ونقاط تفتيش، وموظفي جوازات خاصين بالعرب والمسلمين لديهم مهارات من نوع آخر ويستخدمون أجهزة مختلفة؟ ولو ذهبنا إلى أبعد من ذلك فهل سنرى أسواقاً ومطاعم ومواقف سيارات مخصصة للعرب والمسلمين يتوجب على مرتاديها العبور من خلال نقاط تفتيش خاصة؟. نحتاج إلى وقت طويل لسد الهوة وتصحيح النظرة. سنعاني الكثير فهناك جهلاء لا يفرقون بين الإسلام والفكر الإرهابي المتطرف، وعلينا أن لا نيأس وأن نُبدي من حسن التصرف في القول والعمل ما يؤكد ويدعم نبل وسلامة الإسلام وتعاليمه وأنه براء من كل فكر ضال. إنها مسؤولية الجميع في الداخل والخارج، ولعل الله يأذن لنا بالفرج.
مشاركة :