دروس قيادية من جدار الخضر عليه السلام

  • 2/4/2022
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

عند قراءة سورة الكهف تتوارد لي خواطر حول دروس قيادية يمكن تعلمها من قصة الخضر وموسى عليهما السلام مع الجدار الذي كان للغلامين اليتيمين في المدينة، ومن هذه الدروس: أولاً) التركيز على الهدف: يواجه الإنسان في مسيرته الكثير من العوائق والتحديات والمنغصات، ومع ذلك فالشخص الناجح لا يلتفت إلى هذه الأمور التي تعد جانبية مقارنة بأهمية تنفيذ الهدف والغاية، فأهل القرية أبوا أن يضيفوا الخضر وموسى عليها السلام رغم أنهما استطعماهم وطلبا الضيافة، ومع ذلك لم يكن هذا الفعل السلبي ليثني الخضر عن تنفيذ المهمة التي جاء من أجلها، وهكذا حال الناجحين الذين قد يلاقون المضايقات والحيل والغدر لفظياً وعملياً ومع ذلك تشحنهم هذه التحديات كالسهم الذي يحتاج لسحبه بقوة إلى الخلف لينطلق بقوة واندفاع إلى الأمام. ثانياً) إدارة الأزمات بالمبادرة: المبادرة واستباق الأزمات بالإعداد لها والعمل على تلافيها من سمات الناجحين الذين لا يفكرون بطريقة انتظر وقوع المشكلة، والعمل بطريقة ردة الفعل. ونجد ذلك في حرص الخضر عليه السلام على إقامة الجدار قبل أن ينقض وينهار، والتي وصفت في الآية الكريمة (يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامه). ولا شك أنه في حسابات التكاليف المترتبة على المبادرة ستكون أقل بكثير من تكاليف ردة الفعل المتأخرة بعد حصول المشكلة. ثالثاً) التخطيط على المدى البعيد: من المهم التفكير على المدى الطويل وعدم الاقتصار على الأهداف قصيرة المدى، فالخضر عليه السلام كان ينفذ مهمة ستنتهي بعد سنوات طوال حين يبلغ الغلامان أشدهما، أضف لذلك التنفيذ بإتقان وجودة عالية تضمن صمود الجدار لسنوات مقبلة، وهكذا الإنسان الناجح والمنظمات الناجحة التي قد تحقق إنجازات سريعة ولكنها لا تشغل عن تحقيق الرؤية والأهداف الاستراتيجية ولو استغرق ذلك سنوات من العمل والإنجاز المتواصل، ولعل من أكبر التحديات التي تواجه الكثير من المنظمات التغيير الكبير في التوجهات الاستراتيجية مع تغير الأفراد مما ينتج عنه هدر كبير للموارد والوقت والجهود، والسبب في ذلك هو العمل بطريقة فردية وليست بطريقة مؤسسية احترافية. رابعاً) أهمية التخطيط المالي وإدارة الموارد: بالنظر إلى الكنز الذي أخفاه أبو اليتيمين، والذي يرى عدد من المفسرين أنه كان من أجدادهما، ففي ذلك إشارة إلى أهمية التخطيط المالي والادخار للمستقبل وعدم استهلاك جميع الموارد، فالجد كان بإمكانه صرف ما بين يديه من موارد الكنز ولكنه آثر أن يخفيه تحت الجدار لتستفيد منه ذريته لاحقاً في وقت هم في أشد الحاجة إليه، وينطبق ذلك على الشركات وحتى الدول التي استهلكت مواردها المحدودة ولم تستعد ببناء اقتصاد جديد في مرحلة ما بعد نفاد مواردها الطبيعية. خامساً) الربح المادي ليس المعيار الوحيد: في قول موسى للخضر عليهما السلام: (قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) تساؤل قد يكون طبيعياً في الظروف العادية وبالنسبة لكثير من الأشخاص، ولكن عدم سؤال الخضر لهذا المقابل المادي درس جميل في أن العائد المادي والأرقام المالية ليست كل شيء في الحياة وليست معيار النجاح الوحيد كما تؤمن به الكثير من المدارس المفرطة في المادية. فالعمل الخيري والنشاط غير الربحي له قيمته الكبيرة على الفرد والمنظمات وتمنح الإنسان راحة بال وسعادة وطمأنينة ورضا تعجز الأرصدة البنكية الكبيرة والأصول اللامتناهية عن تحقيقها. سادساً) أهمية العمل والتنفيذ: نلاحظ في سرد الخضر عليه السلام لمصير الكنز والجدار قوله عن الغلامين بعد أن يبلغا أشدهما بقوله: (وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) فربط الأحداث بقيام الغلامين بالمبادرة والعمل لاستخراج الكنز، وهكذا الحال في الكثير من المعجزات الربانية التي ارتبطت بالأفعال كضرب موسى عليه السلام للبحر بعصاه، وهز مريم عليها السلام لجذع النخلة، لتعلمنا أهمية العمل مع الإيمان واليقين، ومن ناحية إدارية وقيادية فينعكس ذلك على أهمية التنفيذ الجيد، والذي من دونه لا يمكن أن تنجح أعظم الخطط الاستراتيجية وتظل مجرد كتابات وكلام نظري. سابعاً) أهمية الالتزام بالأنظمة والتعليمات: نجد أنه ورغم المكانة العظيمة لموسى عليه السلام إلا أنه كان ملتزماً بالأنظمة والتعليمات والشرط المفروض في قوله:(إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي)، وكان الالتزام في تطبيق الشروط من الخضر عليه السلام في قوله:(هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ). وفي ذلك درس مهم في ضرورة أن يكون القائد أول من يلتزم بالأنظمة واللوائح والقوانين ما يجعله قدوة ونموذجاً يقتدي به أتباعه وفريقه في ذلك. ثامناً) تقويم الأخطاء والاستفادة من التجارب الفاشلة: نجد أن الخضر عليه السلام لم يكتف بالفراق بل حرص على تعليم موسى عليه السلام وإفادته عن التجارب التي مر بها في قوله: (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا). أضف لذلك سماحته كقائد ومعلم في العفو مرتين وتنبيه موسى عليه السلام في قوله: (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا). وكذلك يجب أن يكون حال القائد في الصبر على الفشل وتعليم فريقه كيفية الاستفادة من التجارب الفاشلة للوصول إلى النجاح.

مشاركة :