«على الفيدرالي الأميركي أن يبدأ رفع الفائدة، ويُبقي خيارته مفتوحة» ماري دالي، رئيسة «الاحتياطي الفيدرالي بسان فرانسيسكو حسناً، كل البنوك المركزية الغربية خائفة من التعاطي مع الفائدة ومستوياتها في هذا الوقت بالذات. لكن في النهاية عليها أن تقوم بذلك، بصرف النظر عن الخطوات التي تتخذها، سواء بالرفع أو بالخفض أو بإبقاء الحال على ما هو عليه. والخيار الأخير يبدو الأفضل بالنسبة للمشرعين الذين لا يريدون «صداعاً» في الوقت الراهن، إلا أنهم لا يضمنون على الإطلاق طبيعة الانعكاسات السلبية، على ما يمكن اعتباره «لا قرار». والخوف يكمن في أن الاقتصادات الغربية على وجه الخصوص، تعتمد حالياً على التيسير المالي، للوصول إلى أعلى مستوى من النمو، في أعقاب انكماش اقتصادي ضرب العالم خصوصاً في عام 2020، والآثار السلبية التي انتقلت منه إلى عام 2021. فأي رفع للفائدة سيضرب هذا المسار. لكنْ للأمر وجه خطير آخر، يتعلق بارتفاع التضخم الذي يضرب أغلب دول العالم حالياً. ففي بريطانيا والولايات المتحدة بلغ أعلى مستوى منذ أربعة عقود، وسجل في منطقة اليورو الشهر الماضي 5.1% على عكس كل التوقعات، ليصل إلى أعلى معدل له منذ إطلاق اليورو كعملة مقاصة أوروبية في عام 1999. وإذا كان بإمكان منطقة اليورو «تحمل» أمر التضخم، بحيث أبقت كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي على الفائدة ضمن نطاقها الصفري، والتزمت بالحفاظ على السياسة النقدية التيسيرية، فالأمر ليس كذلك على الساحة البريطانية. فقد اضطر بنك إنجلترا المركزي هذا الشهر على رفع الفائدة من 0.25% إلى 0.5%، ولا يبدو أن بإمكانه أن يرفع الفائدة أكثر من ذلك في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، رغم أنه توقع أن تصل نسبة التضخم قريباً إلى 7%، وهي الآن في حدود 5.5%. اللافت أن بنك إنجلترا (وهو مستقل عن الحكومة) رفع الفائدة مرتين في شهرين، ومع ذلك لا سيطرة واضحة على التضخم. «اللعب» بالفائدة (إن جاز القول) له محاذيره السياسية والمعيشية وحتى روابطه مع ديون الدول الفقيرة، خصوصاً عندما يمر الاقتصاد بأوضاع غير طبيعية أو استثنائية. ومن هنا يمكن فهم التردد الحالي على الساحة الأميركية من جهة الفائدة، رغم ارتفاع مخيف لمستوى التضخم في الولايات المتحدة. لكن في النهاية لا يمكن للاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) أن يقف في وجه الرياح العاتية الآتية من ارتفاع مستوى تكاليف الحياة، مع ضرورة الإشارة إلى صعوبة النجاح في السيطرة على التضخم في فترة زمنية قصيرة. هذه «الآفة» - التضخم مرشحة للبقاء لسنوات عدة في الاقتصادات المتقدمة، ويبدو واضحاً أن العلاج عن طريق الفائدة لن يحقق التعافي السريع المأمول، في ظل ضغوط لا تنتهي على هذه الاقتصادات، أتى معظمها من «المخلفات» التي تركها وباء «كورونا». من المرجح أن يستمر الصراع مع التضخم حتى منتصف العقد الحالي، ما يضع البنوك المركزية في حالة اضطراب دائمة، إلى أن يتضح المشهد الاقتصادي العام تماماً.
مشاركة :