تواجه بعض الدول الناشئة، وتلك التي توصف عادة بالأشد فقراً، مشاكل جمة على صعيد الارتفاع الكبير للدولار، في أعقاب سلسلة من الزيادات التي اعتمدها المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي «البنك المركزي» على الفائدة، بحيث وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقدين من الزمن، وذلك في إطار مواجهته للتضخم الذي بلغ أيضاً مستويات تاريخية، علماً بأنه على الساحة الأميركية صار الأقل مقارنة بوضعيته في الاقتصادات الغربية المتقدمة. هذا المشهد ليس غريباً، فمع كل تشديد نقدي يتم اعتماده في الولايات المتحدة، ترتفع قيمة الدولار، وتتحرك رؤوس الأموال باتجاهه، حتى أن أسواق الأسهم والسندات تعاني أيضاً من هذه المسألة، وتتعرض عادة للهبوط، كما حدث في الأشهر القليلة الماضية. ويتفق صندوق النقد الدولي على أن الدولار المرتفع، يضع أعباء إضافية على كاهل الاقتصادات الناشئة والنامية عموماً التي تعرضت لأضرار في العام الماضي، بسبب تخارج رؤوس الأموال، مع ارتفاع أسعار الواردات، وتشديد الأوضاع المالية. والفائدة الأميركية المرتفعة التي تبلغ حالياً 5.25% أثرت سلباً حتى على الاقتصادات المتقدمة الأصغر، ولكن بصورة طفيفة، والسبب الرئيسي وراء ذلك، يعود إلى أن أسعار الصرف في هذه الاقتصادات تتسم بالمرونة. وبحسب «صندوق النقد»، فإن مقابل كل ارتفاع للعملة الأميركية 10%، ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لاقتصادات الأسواق الناشئة 1.9%. وإذا ما استمر الحال على هذا المنوال، ستتعرض الاقتصادات المشار إليها لمزيد من الانخفاض في نواتجها المحلية. هناك الكثير من العوامل التي تجعل الأمور أكثر صعوبة على جبهة الدول الناشئة والنامية، في مقدمتها أن أعباء الديون لديها ترتفع تلقائياً بارتفاع الدولار. فغالبية هذه الديون مقومة بالعملة الأميركية، ناهيك عن ارتفاع تكلفة الواردات بسبب أسعار الصرف. وفي العامين الماضيين يمكن ملاحظة إضافة ضغوط أكبر من جهة اضطراب سلاسل التوريد التي رفعت أسعار السلع وحتى الطاقة، وزاد الاضطراب عمقاً بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ 17 شهراً تقريباً. وعلى هذا الأساس، ستتواصل الضغوط على هذه الاقتصادات في المرحلة المقبلة، ولاسيما أن «الاحتياطي الفيدرالي» لا يزال متمسكاً بسياسة التشديد النقدي التي ضربت هي ذاتها وتيرة النمو على الساحة الأميركية، فالنمو الأميركي لن يزيد على 1% بنهاية العام الجاري، وفق أكثر التوقعات تفاؤلاً، لأن النقطة الأهم عند الإدارة الأميركية أن يبقى اقتصاد البلاد خارج دائرة الركود، بصرف النظر عن مستويات النمو. والمشكلة، أن الاقتصادات الناشئة والنامية التي كانت تعد محركاً للنمو العالمي سابقاً، كانت تعاني من نقاط ضعف قبل الصعوبات الراهنة التي تواجهها، مثل ارتفاع التضخم، حيث اضطرت إلى تشديد نقدي محلي لمواجهته، مثلها مثل بقية الدول التي تواجه الموجة التضخمية العالمية الراهنة. ولذلك، فإن أي ضغط آتٍ إليها من ارتفاع العملة الأميركية، يمثل عبئاً آخر في الوقت الذي تسعى فيه لبذل ما تستطيع لإعادة محركات النمو للعمل مجدداً، وبطاقة تماثل تلك التي كانت سائدة في العقدين الماضيين.
مشاركة :