جاء الرفع الأخير للفائدة الأميركية أقل من الوتيرة التي درج عليها المجلس الاحتياطي الفيدرالي «البنك المركزي» منذ أن بدأ مسار زيادتها كأداة وحيدة متوافرة لكبح جماح التضخم. لكن هذا لا يعني أن المشرعين الأميركيين سيوقفون هذا المسار قريباً، فهم يخططون لإيصالها إلى 5% على الأقل في الفترة المقبلة، في حين أنها تتراوح الآن ما بين 4.25 و4.50%، بعد الرفع الأخير الذي كان بنسبة 0.5%. إبطاء وتيرة الزيادة استند في الواقع إلى سلسلة من المؤشرات شبه الإيجابية على الساحة الأميركية، بما في ذلك ارتفاع معدلات التشغيل، وتباطؤ الزيادة في أسعار المستهلكين (التضخم) التي بلغت أخيراً 7.1%. لكن هذا لا يعني أن الأمور تمضي بصورة إيجابية تماماً، فالحد الأعلى الرسمي للتضخم لا يزيد على 2%، وهذا هدف يصعب على الإدارة الأميركية الحالية وحتى المقبلة أن تحققه. لا شك في أن زيادة نصف نقطة مئوية للفائدة في الولايات المتحدة، نشر بعض الهدوء على الساحة، لكنه لا يضمن بالطبع نمواً مرتفعاً في ظل تباطؤ اقتصادي، تجلى شعبياً في نتائج الانتخابات الأميركية النصفية الأخيرة. النمو المتوقع للعام المقبل من قبل المسؤولين في واشنطن سيكون فيما بين 0.5 و1.2%، وهذا لا يوفر ضمانات حقيقية لتعافٍ واسع النطاق. يضاف إلى ذلك أن التوقعات بأن يصل التضخم في السنة المقبلة إلى 3.1% لا تستند عملياً إلى أسس قوية، على الرغم من أجواء التفاؤل التي تعم وزارة الخزانة الأميركية، حيث تعتقد وزيرتها جانيت يلين، أنه بحلول نهاية العام المقبل، سيكون هناك تضخم أقل بكثير. إلا أنها لم تنس أن تضيف، أن ذلك سيتحقق «إذا لم تكن هناك مفاجأة غير متوقعة». موعد وقف زيادات الفائدة لم يحن بعد، وهذا الأمر ينطبق على كل الاقتصادات الغربية المتقدمة. في بريطانيا لحق بنك إنجلترا المركزي المسار الأميركي ورفع الفائدة بنسبة 0.5% لتصل إلى 3.5%، وحتى في منطقة اليورو المعروفة بترددها الدائم في استخدام الفائدة كأداة للضبط المالي، بلغت 2.5% بعد زيادة مساوية للزيادتين الأميركية والبريطانية. وعلى هذا الأساس، لا يمكن الحديث عن نمو واسع النطاق في العام المقبل، ولا حتى في السنتين المقبلتين، خصوصاً إذا ما حدثت مفاجآت لا يمكن السيطرة عليها، بحسب وصف جانيت يلين نفسها. فالاقتصاد العالمي ليس مستقراً، ولن يصل إلى مرحلة من الهدوء في وقت قريب، بسبب ما يشهده من صراعات سياسية وجيوسياسية وعسكرية أيضاً. كما أن الموجة التضخمية العاتية لم تهدأ كما يأمل الجميع، فهي ماضية في ارتفاعاتها، سواء على صعيد الغذاء أو الوقود وغير ذلك من سلع وخدمات حيوية. ستكون المرحلة المقبلة على صعيد مستويات الفائدة الأميركية حساسة بصورة كبيرة، لأن المشرعين الأميركيين يسعون إلى تكريس حقيقة هشة تتعلق بأن اقتصاد البلاد ليس مقبلاً على ركود، وما يمر به ليس سوى تباطؤ. وهذا صحيح إلا إذا برزت متغيرات وتحولات، وحتى مفاجآت جديدة.
مشاركة :