محمد كركوتي يكتب: الفائدة الأميركية تحت المجهر

  • 11/21/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لا أحد يتوقع أن تصل الفائدة الأميركية إلى الخانة العشرية. للوهلة الأولى يمكن أن يعد ذلك شيئاً من الخيال. فوصول تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة إلى معدلات عالية، يعني مزيداً من الانكماش واستمراراً لحالة ركود من المتوقع أن يعلن المشرعون الأميركيون عن وصولها إلى الساحة المحلية مطلع العام المقبل. لكن أن يأتي اعتراف من جانب أحد مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأميركي «البنك المركزي»، بأن أسعار الفائدة قد تتطلب الارتفاع إلى 9% للفوز فيما أسماه بـ «المعركة ضد التضخم» لا بد من التوقف هنا. فهذا الرأي لم يأتِ من سمسار في سوق الأسهم، ولا من محلل مالي عابر. إنه من مسؤول في الجهة التي تحدد مصير الفائدة. بالطبع هناك من يتحدث خارج «الفيدرالي» عن ضرورة وصول تكاليف الاقتراض إلى ما بين 5 و7% على الأقل، في إطار مواجهة التضخم، وهذه نسبة لا تشكل صدمة إذا ما أخذنا في الاعتبار طبيعية سير الاقتصاد الأميركي في الوقت الراهن. لكن أن تصل إلى 9% في غضون العام المقبل، هذا يبرر الدهشة حتى في أوساط المحللين الماليين الأكثر تشاؤماً. وبصرف النظر عن واقعية ما قاله المسؤول الفيدرالي، فبمجرد الإعلان عن ذلك، عانت الأسهم الأميركية من خسائر كبيرة، ما دعم القلق الموجود أصلاً في الساحة الأميركية. لم يعد أحد يتحدث عن الحد الأعلى «المسموح» للتضخم أن يصل إليه في الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً، وهو عند 2%. هذا المستوى صار منذ أشهر بعيد المنال. فكل المؤشرات تدل على أن التضخم المرتفع سيتواصل إلى نهايات العقد الحالي، وفي أحسن الأحوال سيستمر لأربع سنوات مقبلة، ما يعزز الاعتقاد بأن الفائدة في بلد كالولايات المتحدة التي بلغت حالياً 3.75%، سترتفع في غضون العامين المقبلين، خصوصاً مع غياب أي أداة واقعية تساعد في كبح جماح التضخم. وسواء بلغت تكاليف الاقتراض 9% أو أكثر في المستقبل، فإن الآثار السلبية للفائدة الأميركية حتى في ظل مستواها الحالي صارت جزءاً من المشهد الاقتصاد المحلي والعالمي. فالنمو صار من الماضي القريب، بسبب التشديد النقدي. في القعود الماضية كانت السمة الرئيسية للحراك الاقتصادي الدولي العام هي وجود «المال الرخيص» بكثرة، ما ساعد على تعزيز مسار النمو هنا وهناك، بصرف النظر عن المخاطر الآتية من الانفلات في الاقتراض والإقراض. أما الآن، فالتشديد النقدي عبر رفع تدريجي للفائدة، أصبح جزءاً أصيلاً من المشهد الاقتصادي، لن يختفي في وقت قصير، وستكون آثاره ممتدة لسنوات، ستزيد من إضراب النمو «إن وجد لاحقاً»، وتعمق المعاناة أكثر في البلدان التي تعاني ديوناً مرتفعة، والتي تواجه منذ أن بدأت الفائدة في الارتفاع تكاليف ديون غير محتملة، ناهيك عن آثارها المحلية السلبية، لا سيما تلك المتعلقة بالقروض السكنية، التي رفعت من حدة الأعباء على أصحابها الذين يعانون أصلاً زيادة تاريخية في ارتفاع تكاليف العيش.

مشاركة :