تواصل – فريق التحرير: يصادف اليوم 9 شعبان، العديد من الأحداث التاريخية، وفي هذه الفقرة تسلط “تواصل” الضوء على أبرز هذه الأحداث 591هـ انتصار المسلمين في معركة الأرك على قوات القشتالين في مثل هذا اليوم من سنة 591 هـ الموافق 18 يوليو 1195م، انتصر المسلمون في معركة الأرك، والتي اعتبرها المؤرخون مضاهية لمعركة «الزلاقة» حيث هُزم مسيحيو أيبيريا، ووقعت المعركة بين المسلمين يمثلهم قوات الموحدين بقيادة السلطان «أبو يوسف يعقوب المنصور»، وقوات ملك قشتالة «ألفونسو الثامن»، مما وطد حكم الموحدين في الأندلس ووسع رقعة بلادهم المسلمين فيها، واضطر «ألفونسو الثامن» لطلب هدنة من المسلمين. و«الأرك» نقطة الحدود جنوب «طليطلة» بين «قشتالة» و«الأندلس»، وهي حصن على بُعْدِ عشرين كيلو مترًا إلى الشمال الغربي من «قلعة رباح»، على أحد فروع نهر «وادي آنة»، ومكانها اليوم غرب المدينة الإسبانية الحديثة «المدينة الملكية». الموحدون وملك قشتالة نجح سلطان الموحدين «أبو يوسف يعقوب المنصور» في القضاء على «ثورات بني غانية»، فراح يُفَكِّر في إيقاف أطماع النصارى في بلاد الأندلس لاستقرار الأوضاع، وكانت أشدَّ قوَّتين هما قوَّة قشتالة وقوة البرتغال. واستقبل سلطان الموحدين رسالة من ملك قشتالة «ألفونسو الثامن»، يسعى فيها إلى الصلح والمهادنة، ويعرض محالفه الموحدين ضدَّ مَنْ يشاء من أعدائهم، فقَبِلَ سلطان الموحدين مسالمته. الموحدون وملك البرتغال اعتدى ملك البرتغال «ألفونسو هنريكيز» في سنة 585هـ، على مدينة «شلب» من جزيرة الأندلس ونزل عليها بعساكره، وأعانه الإفرنج من البحر بـ (البطس) وهي من أنواع المراكب البحرية الكبيرة، عرفها العرب المسلمون منذ بداية العصر الإسلامي، واستعملوها في الحروب البحرية والأعمال التجارية، ويصل عدد أشرعتها إلى أربعين شراعًا، وتحمل على متنها ما يزيد عن ألفين وخمسمائة شخص و(الشواني) وهي طراز من السفن المستخدمة للأغراض الحربية عرفها اليونان والرومان واستعملها العرب في العصر الإسلامي، تسير بالشراع، يصل عدد مجاديفها إلى 100، وهي مزودة بأبراج خاصة، وتحمل على متنها حوالي 150 من المقاتلين المزودين بأسلحتهم. ونزلوا عليها من البر والبحر فملكوها، وسبوا أهلها. فتجهَّز سلطان الموحدين «أبو يوسف يعقوب المنصور» في جيش عظيم، وسار حتى عبر البحر، ولم واسترد مدينة «شلب» المذكورة، وقالتهم حتى حصونهم خارج المدينة؛ فأخذ حصن «طرش» منهم وهومن حصونهم العظيمة، وعاد المنصور إلى عاصمته مراكش في المغرب العربي بعد هذا النصر المؤزر على البرتغال، والهدنة مع قشتالة، وبقيت بعض الممالك النصرانية الأخرى لم تصالح المنصور. الممالك النصرانية وهجماتها على المسلمين جمعت الممالك النصرانية التي لم تصالح جمعًا من الفرنج، وخرجوا إلى بلاد المسلمين بالأندلس؛ فقتلوا وسبوا، وغنموا وأسروا، وعاثوا فيها عيثًا شديدًا، وما لبث أن اجتمع معهم «ألفونسو الثامن» بعد انقضاء مدة الهدنة التي كانت بينه وبين الموحدين، فبعث إلى جميع الثغور الإسلامية يُنذر بانتهاء الهدنة، وكان المنصور منشغلًا بمعاركه في المغرب ضد الخارجين عليه من «بني غانية» وغيرها، وبعث بقادته إلى مختلف أنحاء الأندلس يُغيرون عليها ويُثخنون فيها. أراد المنصور الانتهاء من أمر المتمردين أولًا، إلا أن كتب أهل الأندلس عليه توالت تُشير باشتداد وطأة العدو إلى ما لا يطاق، فعزم وبدأ على العبور إلى الأندلس. المسلمون ينتفضون للدفاع عن الأندلس كان المسلمون – قبيل هذا الوقت بسنوات قلائل – يعيشون في كل مكانٍ نشوة النصر الكبير الذي حقَّقه «صلاح الدين الأيوبي» على الصليبيين في موقعة حطين سنة 583هـ، فاجتمع المسلمون من كل البقاع لما سمعوا بنيه سلطان الموحدين لنصرة الأندلس، وتطوعوا في جيش المنصور للدفاع عن الأندلس. وانطلقت جيوش الموحدين من المغرب العربي والصحراء وعبرت مضيق جبل طارق إلى بلاد الأندلس؛ لتلتقي مع قوَّات الصليبيين. التخطيط لمعركة الأرك التقت الجيوش الإسلامية مع جيوش النصارى عند حصن «الأرك» الكبير الذي يقع في جنوب طليطلة على الحدود بين قشتالة ودولة الأندلس ، وكان «ألفونسو الثامن» قد أعدَّ جيشًا واستعان بمملكتي «ليون» و«نافار»، في قوَّة يبلغ قوامها 250 ألف نصراني، وبلغ عدد جيش الموحدين 200 ألف مسلم. وأحضر النصارى معهم بعض من جماعات اليهود لشراء أسرى المسلمين بعد انتهاء المعركة لصالحهم؛ ليتمَّ بيعهم بعد ذلك في أوربا. وضمَّ المنصور قوَّة الأندلسيين إلى قوَّة المغاربة والبربر القادمين من الصحراء، وعقد مجلسًا استشاريًّا يستوضح فيه الآراء والخطط المقترحة في هذا الشأن، واسترشد بكل الآراء؛ حتى إنه استعان برأي أحد زعماء الأندلسيين «أبي عبد الله بن صناديد» في وضع خطَّة الحرب. وقَسَّم المنصور الجيش إلى نصفين في خُطَّة شبيهة جدًّا بخطَّة «معركة الزلاقة»، فجعل جزءًا في المقدمة، وأخفى الآخر خلف التلال، وكان هو على رأسه، واختار أميرًا عامًّا للجيش، هو كبير وزرائه «أبو يحيى بن أبي حفص»، وولَّى قيادة الأندلسيين لـ «أبي عبد الله بن صناديد». وعسكر الأندلس في الميمنة، وجعل زناتة والمصامدة والعرب وسائر قبائل المغرب في الميسرة، وجعل المتطوعة والأغزاز الذين هم المماليك المصريون والرماة في المقدمة، وبقي هو في القلب في «قبيلة هنتاتة». وأرسل السلطان «أبو يوسف يعقوب المنصور» رسالة إلى كل جند جيشه، يقول فيها: “إن الأمير يقول لكم: اغفروا له؛ فإنَّ هذا موضع غفران، وتغافروا فيما بينكم، وطَيِّبُوا نفوسكم، وأخلصوا لله نيَّاتكم”. فتحمس الجند، وقام الخطباء يخطبون يحثون الجند على الدفاع عن الدين فنشط الناس، وخرجوا للقتال متحمسين. وقائع المعركة كان موقع النصارى في أعلى تلٍّ كبير، وقاتل المسلمون من أسفل ذلك التلِّ، ونزل القشتاليون كالسيل الجارف. وتحرَّك سبعة آلاف فارس إلى ثمانية آلاف فارس، من جيش النصارى، نحو عسكر المسلمين؛ فوصلوا، ثم تقهقروا قليلًا، ثم عادوا بحملة عبى المسلمين، وكرروا ذلك مرتين، ثم تهيئوا للدفعة الثالثة، ونادى القائد الأندلسي ابن صناديد والقائد العربي برفع أصواتهما: اثبتوا معشر المسلمين؛ ثَبَّت الله أقدامكم بالعزمة الصادقة. وضغط النصارى على قلب الجيش المسلم؛ فاستشهد جماعة من المسلمين مع قائد القلب. تعلَّق المسلمون بالربوة وأخذوا في قتال مَنْ بها، وكثر القتل في النصارى؛ فاضطروا للفرار، إلى الربوة التي فيها ألفونسو ليعتصموا بها، فوجدوا عساكر المسلمين قد حالوا بينهم وبينها، فرجعوا، وكر عليهم المسلمون؛ فأَفْنَوْهم عن آخرهم، وانكسرت شوكة ألفونسو بفنائهم. وفر إلى داخل حصن الأرك. وأحاط المسلمون بحصن الأراك، غير أن ألفونسو كان قد خرج من الناحية الأخرى، فدخل المسلمون الحصن، وأضرموا النيران في أبوابه، واحتووا على جميع ما كان فيه. وفر ألفونسو إلى طليطلة، وحلق رأسه ولحيته، ونكس صليبه، وقرر أن لا ينام على فراش، ولا يقرب النساء، ولا يركب فرسًا ولا دابَّة؛ حتى يأخذ بالثأر، وسار المنصور خلفه إلى طُلَيْطِلَة وحاصره، ورمى عليها بالمجانيق، وضيَّق عليها، ولم يبقَ إلا فتحُها، فخرجت إليه والدة ألفونسو وبناته ونساؤه وبَكَيْنَ بين يديه، وسألنه إبقاء البلد عليهن، فعفا عنهم، وعاد إلى قُرْطُبَة منتصرًا. نتائج انتصار المسلمين في معركة الأرك تَبَدُّدُ جيش النصارى بين القتل والأسر؛ وقُتِلَ منهم قرابة الثلاثين ألفًا، وحصد المسلمون من الغنائم ما لا يُحصى، ووزَّع المنصور الأموال الضخمة، أربعة أخماسها هذه الغنائم على الجيش، واستغلَّ الخمس الباقي في بناء مسجد جامع كبير في إشبيلية؛ له مئذنة بلغ طولها مائتي متر، وكانت من أعظم المآذن في الأندلس في ذلك الوقت. وأدى ذلك النصر المعنوي الكبير إلى ارتفاع نجم دولة الموحدين، وارتفاع معنويات الأندلسيين؛ فاستمرَّت حركة الفتوح الإسلامية، واستطاع المسلمون فتح بعض الحصون الأخرى، وحاصروا «طليطلة». ونشأت صراعات شتَّى بين «ليون» و«نافار» من ناحية، وبين «قشتالة» من ناحية أخرى، حيث لامهم ألفونسو الثامن ، وألقى عليهم مسئولية الهزيمة، وجاءت السفارات تطلب العهد والمصالحة مع المنصور الموحدي، فتمت معاهدة جديدة بين «قشتالة» والمسلمين على الهدنة ووقف القتال مدَّة عشر سنوات، أراد المنصور أن يُرَتِّبَ خلالها الأمور من جديد في بلاد الموحدين.
مشاركة :